لماذا تتكرر أحلامنا ؟!

 تكرار الأحلام ظاهرةٌ طبيعيةٌ تحدث لكثيرٍ من الناس،

حيث تتكررُ الرؤيا نفسُها كلّ ليلة أو في فترات متقاربة أو متباعدة، حيثُ تتشابه الأحداثُ والرموزُ والأشخاص؟ وتختلف في التفاصيل أو في بعض التفاصيل أو لا تختلف، فماذا يعني تكرارُ الأحلام ؟ هل يعني ذلك التأكيدَ على أمرٍ معين سوف يحدثُ، أم أن ذلك إنعكاسٌ لما في نفس الحالم من الهواجسِ والمخاوف، أما أن التكرارَ رسالةٌ منبهةٌ لا تتوقف حتى يستوعبَها الحالمُ ويعملَ بمقتضاها في يقظته، فقد تدل على أهمية القيامِ بأمر معين، أو تركِ شيء معين، وقد يكون التكرارُ دالا على التبشير ببشارةٍ رائعة، وقد لا يدل التكرارُ على شيء وذلك حين تكونُ الرؤيا من الأضغاثِ، وذلك بحسب طبيعةِ كل الرؤيا وما فيها من أحداث.

هذا وقد تكررت بعضُ الرؤى في منامِ نبينا محمد ﷺ

كتلك الرؤيا التي تبشرُ بزواجهِ من أمنا أم المؤمنين عائشة، الصديقةِ بنتِ الصديقِ، الطاهرةِ المبرأة من فوق سبعِ سموات رضي الله عنها، فقد أخرج الشيخانِ عن عَائِشَةَ رضي الله عنها ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : “ أُرِيتُكِ فِي المَنَامِ مَرَّتَيْنِ،( وفي روايةِ مسلم ثلاثَ مرات) إِذَا رَجُلٌ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ،(أي هذه سوف تكون زوجتَك) فَأَكْشِفُهَا فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ

إن تكرير الرؤيا قد يعني التأكيدَ على بشارةٍ من الله تبارك وتعالى

فقد يكونُ الإنسانُ في كرْبةٍ أو مشكلةٍ أو مصيبة، ويكونُ في أشد الحاجة إلى تثبيت قلبه، ومواساة نفسهِ، فتتابعُ عليه الرؤى مبشرةً بتفريج كربته، ومؤكدةً على الخروج من أزمته، وقد تتشابه هذه الرؤى وقد لا تتشابه، وقد يراها هو في منامهِ، وقد يراها غيرهُ، كما أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَن ابن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَشَفَ السِّتَارَةَ وَرَأْسُهُ مَعْصُوبٌ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ.

وقد تتكررُ الرؤى والأحلام نتيجةَ استمرارِ التفكيرِ في أمرٍ معين،

وانشغالِ النفسِ بهذا الأمر أو ذاك، وقد تتكرر رؤى الأمواتِ وتتكاثرُ بسببِ تأثر النفسِ بموتهم، وانشغال الفكرِ فيهم، وقد يكون محتوى هذه الأحلامِ يتشابه مع ما كان يحدثُ في حياتهم، وقد يكون غيرَ متشابه، ومِثلُ ذلك لا يكون له تعبير، لأنه من حديثِ النفس، وقد تتكرر رؤى الأمواتِ لتنبيه ذويهم على تنفيذِ وصيةٍ أو قضاءِ دينٍ، فإذا تم تنفيذُ ما في الرؤيا توقفت عن التكرار، وقد تتكررُ الرؤى لتنبيه الرائي بوجود خطأ يترددُ في حياتهِ، أو لتحذيرِهِ من معصيةٍ أصر عليها، أو لإنذارهِ من ظلمٍ وقع فيه.

وقد تتكررُ الرؤى والأحلامُ نتيجةَ تمني نفسِ الرائي حُصولَ أمرٍ معين،

كالتي تكثرُ رؤاها في منامها بأنها في عُشِّ الزوجية، أو كمن تكثُر رؤاه بالزواجِ من امرأةٍ معينة، ومثلُ ذلك لا يكون له تعبير، لأنه من حديثِ النفس.

وقد تتكررُ الأحلامُ نتيجةَ ضُغوطٍ ماضية،

كمن يحلمُ أنه في قاعةِ الاختبارات، ويكادُ الوقتُ أن ينقضي، ولم ينتهِ بعدُ من الإجابةِ على الأسئلة، ومثلُ ذلك لا يكون له تعبير، لأنه من حديثِ النفس.

وقد تتكررُ الأحلامُ نتيجةَ ضُغوطٍ حالية ومشاكلَ لاتزالُ مستمرة،

فتكونُ هذه الأحلامُ صورةً تعكسُ واقعه، فكأنها مرآةٌ لوقائع يقظته! ومثلُ ذلك لا يكون له تعبير، لأنه من حديثِ النفس.

وقد تتكررُ الأحلامُ بسبب قلقٍ على بعضِ الأحبة،

أو بسبب خوفٍ من مرضٍ أو موتٍ أو تهديدٍ، وقد تتكررُ الأحلامُ بأشياءَ يخافُ منها الإنسانُ أو يشمئزُ منها، كمن يحلم كثيراً بالنيران، أو بالسقوطِ من الأبراجِ الشاهقة، أو يحلمُ بالحشرات المقززة، أو بالثعابينِ المرعبة، أو بالحيوانات المفترسة، وقد تكون مِثلُ هذه الأحلامِ من كيدِ الشيطان ليخوَّفه ويَحزُنَه، وليس لها أيُّ تفسير، كما قال ﷺ “رؤيا أهاويلُ من الشيطان ليحزن بها ابنَ آدمَ” وكما في صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَأْسِي ضُرِبَ فَتَدَحْرَجَ فَاشْتَدَدْتُ عَلَى أَثَرِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِلْأَعْرَابِيِّ لَا تُحَدِّثْ النَّاسَ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِكَ فِي مَنَامِكَ”
وهذهِ الأحلامُ المفزعة، لو قامَ الحالم ببعضِ آداب الرؤيا المكروهة التي أوصلناها إلى عشرةِ آدابٍ شرعيةٍ في بعضِ حلقات برنامج رؤيا، فإنها لن تضرَّ الحالمَ بشئ، كما أنها سوف يتوقفُ تِكرارُها.

ويشير علمُ النّفس

أن  تكرارالأحلام هو انعكاسٌ مباشر وتنبيه من الدماغ أن في يومياتك تكرار لواقع معيّن، أو أنّك أسيرُ فكرةٍ معينة، أو خوفٍ معين، أو هاجس مزعج يسيطرُ عليك، وأنت غيرُ قادرٍ على تخطّي الأمرِ وتجاوزِ المشكلة.!!”

اللهم اصرف عنا سيئ الأحلام، لا يصرفُ عنا سيئها إلا أنت، وأرنا برحمتك ما يبشرنا بنعمك الجليلة ومننك الكبيرة.