كيف تكون الأحلام طريقك لمعرفة الغيب؟!

إن طبيعةَ النفس الإنسانية أنها تشتاقُ إلى معرفة ما سوف يحدث لها في مستقبلها،

وأمرُ الغيب وما سوف يكون في أيام الإنسانِ ولياليه مما استأثر الله تعالى بعلمه، وحَجبَه عن خلقهِ: كما قال تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} ،{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ}، {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ

فالغيب لا يعلمه إلا الله تعالى،

وهو من خصائصه الربِّ وحده لا شريك له، وقد انخدعَ كثيرٌ من المسلمين بأبراج الحظ، وبمن يدعي معرفةَ الغيب من الكهنة والعرافين والرمالين والمنجمين وقرَّاءِ الكفِّ وقرَّاء الفناجيل، وصارَ السُّذجُ من الناس يطلبُون من هؤلاء الشفاءَ والعافية ، أو رَدَّ الغائبين، أو العثورَ على شئ مفقود؛ وكلُّ هذا حرام؛ فلا يجوز سؤال هؤلاء ولا تصديقهم. قال ﷺ فيما أخرجه مسلم: «من أتى عرافًا فسأله عن شيء فصدقه بما يقول لم تقبل له صلاةٌ أربعين ليلة».

حرمَ الشرعُ إتيانَ هؤلاء وسؤالَهم وتصديقَهم،

ولم يأذن لنا بطلبِ معرفةِ ما سوف يحدثُ لنا في المستقبل إلا عن طريقٍ واحدٍ شرعه لنا، وهو طريق الرؤيا، وفي ذلك يقول ابنُ العربي: ”

ولا يجوز لأحد من خلق الله أن يتعرض للغيب، فإن الله قد رفعه بعد نبيه إلا في الرؤيا

ومما يدلُّ على ذلك صراحةً ما رواه البخاري عنه ﷺ : (لم يبق من النبوة إلا المبشرات. قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة). وقال ﷺ : «إنه لم يبق من النبوة إلا الرؤيا يراها العبد الصالح أو تُرى له». أخرجه مسلم. وقال ﷺ في الحديث المتفق على صحته :” الرؤيا الصادقةُ جزء من النبوة” وقد علل العلماء أن الرؤيا جزء من أجزاء النبوة، لأن فيها إطلاعًا على الغيب من وجه ما، أو لِمَا فِيهَا مِنْ الْإِنْبَاءِ بِمَا يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهذا النوعُ من الرؤيا هو الذي يَكُونُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، كما في الحديث المتفق عليهِ “الرؤيا الصالحةُ من الله” وماكان من قبل الله فإنه لا يكذب، أما ما يكونُ من حديث النفس ووسوسة الشيطان فإنه الذى يكذب، ومن ثَم فليس له تعبير.
وفي بيان ذلكم يقولُ ابن العربي المالكي أيضا في كتابه أحكام القرآن 2-31): (إن الله تعالى لم يُبق من الأسباب الدالة على الغيب التي أذن في التعلق بها والاستدلال منها إلا الرؤيا، فإنه أذن فيها، وأخبر أنها جزء من النبوة”

وإن من الخطأ اعتقادَ الكثير من الناس أن المعبرين للرؤى والمنامات يدّعون معرفةَ الغيب،

وهذا اعتقاد غلط، إذ إن طريق الرؤيا أذن به الإسلام وحث عليه، وما يقوله المعبرُ مما سوف يحدثُ للحالم، إنما هو ظنٌ وليس بيقين، كما كان ابنُ سيرين يقول عندما يعبر الرؤى: إنما أجيب بالظن، والظنُّ يخطئ ويصيب، وقد ثبت في الصحيحين أن النبي ﷺ قال لأبي بكر حينما عبر رؤيا بين يديه، أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا” كما أن المعبرَ يخطئُ أيضا حينما يُعرَضُ عليه ما هو من أضغاثِ الأحلام أو ما هو من الشيطان، فيعبرُه ظاناً أنه رؤيا حق، وهو ليس برؤيا،

ولذلك فإن بعضَ المعبرين من السلف كان يقول لصاحب الرؤيا حين يعبر له: إن صدقت رؤياك فإنها تُعبر بكذا وكذا، وفي ذلك يقول بعض العلماء:

الرؤيا ربما دلت على شيء ولم يقع ما دلت عليه، إما لكونها من الشيطان، أو من حديثِ النفس، أو من غلطِ العابر في أصل العبارة، إلى غير ذلك