رؤيا النبي عليه السلام مسيلمة الكذاب والعنسي الكذاب شرح كتاب الرؤيا من صحيح مسلم (3)

 أخرج مسلم، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ الْمَدِينَةَ فَجَعَلَ يَقُولُ إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ، فَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَفِي يَدِ النَّبِيِّ ﷺ قِطْعَةُ جَرِيدَةٍ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ، قَالَ لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا، وَلَنْ أَتَعَدَّى أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ، وَإِنِّي لَأُرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيكَ مَا أُرِيتُ، وَهَذَا ثَابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ إِنَّكَ أُرَى الَّذِي أُرِيتُ فِيكَ مَا أُرِيتُ، فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا، فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي الْمَنَامِ أَنْ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ مِنْ بَعْدِي، فَكَانَ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيَّ صَاحِبَ صَنْعَاءَ، وَالْآخَرُ مُسَيْلِمَةَ صَاحِبَ الْيَمَامَةِ.

لقد أخبر النبيُّ ﷺ بخروج كذابينَ أدعياءَ للنبوة

عددهم قريب من ثلاثين، ثم خص بالذكر منهم هذين الاثنين، الْعَنْسِيَّ في صَنْعَاءَ وَ مُسَيْلِمَةَ في الْيَمَامَةِ، وقد كان مُسَيْلِمَةُ يشهد : أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، ويزعم : أنَّه شريك معه في نبوَّته، وتسارعَ إلى تصديقهِ قومهُ بنو حنيفةَ في اليمامة، وبعث مُسَيْلِمَةُ برجلين من قومهِ بكتابٍ إلى رسول الله ﷺ : مِن مُسَيْلِمَةَ رسولِ الله إلى محمدٍ رسول الله، سلام عليك: أما بعد، فإني أُشركتُ معك في الأمر، فلي نصفُ الأرض، ولك نصفُها، ولكن قريشٌ قومٌ لا يعدلون. فرد عليه رسول الله ﷺ :(( بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى مُسَيْلِمَةَ الكذاب، سلام على من اتَّبع الهدى، أما بعد : فـ{ إن الأرضَ لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين } )) وقد ذكر ابنُ إسحاق: أن سجاحا التميمية تنبأت أيضا وجاءت إلى مُسَيْلِمَةَ فتزوَّجته، ونادى منادي بني حنيفة : ألا إن نبيَّنا تزوجَ نبيتكم . وطلبت سجاحٌ مهرها من مُسَيْلِمَةَ، فوضع عن قومِها صلاةَ الفجر وصلاةَ العشاء، وقد أسلمتْ سجاح فيما بعدُ وحسُن إسلامُها.

 ولما استفحل أمرُ مسيلمةَ

قدمَ المدينةَ في بشر كثير، ونزل على عبد الله بن أُبي، فجاءه النبي ﷺ كما ذكر ابن عباس، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَفِي يَدِ النَّبِيِّ ﷺ قِطْعَةُ جَرِيدَةٍ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ، قَالَ لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا، وَلَنْ أَتَعَدَّى أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ، وَإِنِّي لَأُرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيكَ مَا أُرِيتُ، وَهَذَا ثَابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ
وقوله ﷺ: ((وَلَنْ أَتَعَدَّى أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ)) أي أني لن أجيبك إلى ما طلبتَه مما لا ينبغي لك وفي البخاري : (( ولن تعدوَ أمرَ الله فيك )) أي ولن تعدو أنت أمرَ الله في إهلاكك دون ما أمَّلته من النبوة.

وقوله ﷺ:((وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ)) أي: لَيُقتُلنَّك الله إن لم تتَّبعني، فقتله وحشيٌ بعد ذلك في حروب الردة، فكان هذا من دلائل نبوة نبيِّنا محمد ﷺ وصحة رسالته.

وقوله ﷺ: ((وَهَذَا ثَابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي)) ويعني ذلك أن النبي ﷺ أعرضَ عن مُسَيْلِمَةَ، وأحاله على ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ لعلمه بأنه يقومُ عنه بجواب كل ما يسألُ عنه، وكان ثابتٌ خطيبَ رسولِ الله ﷺ، وكان من أفضلِ الناس ، وأكملِهم عقلاً ، وأفصحِهِم لسانًا، وقوله ﷺ: ((وَإِنِّي لَأُرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيكَ مَا أُرِيتُ )) أي إني لأعلم أنك الذي رأيتُه في المنام، ورؤياه ﷺ حق، وتأويله لا يجوز عليه الغلط ، بخلاف غيره من المعبرين.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ إِنَّكَ أُرَى الَّذِي أُرِيتُ فِيكَ مَا أُرِيتُ فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي الْمَنَامِ أَنْ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ مِنْ بَعْدِي فَكَانَ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيَّ صَاحِبَ صَنْعَاءَ وَالْآخَرُ مُسَيْلِمَةَ صَاحِبَ الْيَمَامَةِ.

لقد رأى النبي ﷺ في منامه

أنه قد وُضع في يديه الشريفتين سوارين من ذهب، فكره ذلك ﷺ وأهمَّه واستعظمه، وذلك لكون الذهب من حِلية النساء، ومما حرم على الرجال، فَأُوحِيَ إليَّه فِي المَنامِ أنِ ينْفُخَ السوارين فنَفَخْهُما فَطَارَا في الهواء، فكيف عبر ﷺ ؟ قال: فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ مِنْ بَعْدِي ((أي يظهرُ أمرهما بعد موتي، وإلا فقد كانا موجودين في حياة النبي ﷺ)) قال: فَكَانَ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيَّ صَاحِبَ صَنْعَاءَ وَالْآخَرُ مُسَيْلِمَةَ صَاحِبَ الْيَمَامَةِ.

لقد عبر ﷺ اليدين ببلدين والسوارين بكذابين يخرجان فيهما، وكونُ السوارين من ذهب إشارةً إلى ما زخرفا من الباطل والكذب،

وأيضا فكونُهما من ذهب مشعرٌ بأنه شيء يذهب، ولا بقاء له، ونفخُ النبي ﷺ يُعبر بأن الله يُهلكُهما على أيدي أهل دينه، كما يُعبر (طيران السوارين) بزوالِ أمرهما واضمحلاله،

إن الأمة اليوم ما زالت تعاني من الكذابين، فهنالك من يدعي المهدوية، وهنالك من يدعي الخلافة، وسيُفضحُ كلُّ هؤلاء، والله غالبٌ على أمره، ولكن أكثرَ الناس لا يعلمون.