الكوابيس أسبابها وعلاجها

ما منا إلا وقد رأى في المنام ما أفزعه، فإذا كنت ترى الكوابيس المفزعة والأحلام المرعبة من آن لآخر أو على فترات متباعدة، فاحمد الله فإنه يوجد حوالي 2% إلى 8% من البالغين مصابين بالكوابيسِ بشكلٍ مستمر،

والنساءُ أكثرُ من الرجال أحلاماً مرعبة،كما أن الأطفالَ أكثرُ من البالغين تعرضا للكوابيس، بحيثُ تجعلُ قلوبَهم تقفزُ من شدةِ الخوف والرعب،

ويقلُّ حُدُوثُها كلما اقترب الطفلُ من مرحلة البلوغ، ويختلف الناسُ فيما يرون من أحلام مزعجة،

 فالبعض علي سبيل المثل قد يحلم بأنه سقط من عمارةٍ عالية، والبعضُ لا يستطيع الجري بسرعةٍ كافية من خطر يداهمه أو من عدو شرس يركض خلفه، والبعضُ يحلم بحشراتٍ بغيضة، والبعضُ يحلمُ بحرائقَ فظيعة، والبعضُ من النساء يحلمن بأن الزوج قد عملها وتزوج عليها!

 سنتحدث بإذن الله عن الكوابيس والأحلام المزعجة وعن أسبابها وعلاجها،

وذلك من خلال حديثٍ من أحاديثِ كتاب التعبير من صحيح الإمام البخاري رحمه الله، حيثُ يقول في الباب السادس والأربعين:

46 – باب إِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلاَ يُخْبِرْ بِهَا وَلاَ يَذْكُرْهَا

7044 – حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ لَقَدْ كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِى حَتَّى سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ وَأَنَا كُنْتُ لأَرَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِى ، حَتَّى سَمِعْتُ النَّبِىَّ ﷺ يَقُولُ « الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ اللَّهِ ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلاَ يُحَدِّثْ بِهِ إِلاَّ مَنْ يُحِبُّ ، وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا ، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَلْيَتْفِلْ ثَلاَثًا وَلاَ يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ »

7045 – حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنِى ابْنُ أَبِى حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِىُّ عَنْ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِى سَعِيدٍالْخُدْرِىِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقُولُ « إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يُحِبُّهَا ، فَإِنَّهَا مِنَ اللَّهِ ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا ، وَلْيُحَدِّثْ بِهَا ، وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ ، فَإِنَّمَا هِىَ مِنَ الشَّيْطَانِ ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا ، وَلاَ يَذْكُرْهَا لأَحَدٍ ، فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ ».

لقد قام كثيرون من علماء النفس وآخرون من غيرهم بمحاولات تفسيرية للأحلام الكابوسية، وتباينت نظرياتِهم في هذا الصدد

1- فذهب أصحاب المدرسة الفرويدية إلى أن الأحلام الكابوسية تعبير عن صراع عقلي

داخلي عنيف حول رغبة جنسية مكبوتة، يمكن أن تحرك عن طريق مثيرات مرعبة .
والحق أنه من العسير جدًّا إثبات توفر العنصر الجنسي في الأحلام الكابوسية، ثم إنه لو كان الجنس هو المحرك لها لكانت أكثر وقوعًا مما هي عليه في الواقع، ولما كان هناك من داع لظهور مثل هذه الأحلام بعد تجارب مخيفة من طبيعتها الزهد في الدوافع الجنسية .

2- وثمة نظرية ترى أن الحلم الكابوسي تعبير عن تجارب من الخوف،

كالخوف من الظلام والسقوط من الأماكن المرتفعة والحرائق والزلازل والفيضانات ونحو ذلك .

3- ونظرية ثالثة أخرى ترى أن الأحلام الكابوسية ما هي إلا تعبير عن حالة من الخوف البدائي في حياة الإنسان .

4- ورابعة تردُّ هذا النوع من الأحلام إلى أصول من مشاعر الغيظ والغضب،

فقد يقتضي كبت هذه المشاعر أثناء اليقظة لظروف معينة، فتنفجر هذه أثناء الليل وتتحول إلى صورة كابوسية تُهدد الحالم بالموت والفناء .

لكن هناك أسباب قد تؤدي الي حدوث الكوابيس،

كالعَشاء في وقت متأخر لأنه سيزيدُ من عملية التمثيل الغذائي ومن نشاط المخ، وكتناول بعض الأدويةِ والعقاقير، وكالحرمان من النوم فترةً طويلة، كما أن الأشخاص المصابين بالاكتئاب والتوتر أكثرُ عرضةً للكوابيس والأحلامِ المفزعة، ومن أسباب الكوابيس كذلك: شربُ الخمور والكحوليات، والتفكيرُ السلبي قبل النوم، واضطراباتُ النوم المختلفة،والتعرضُ للضغوطِ النفسية والمشكلاتِ العائلية أو العاطفية، وتناولُ الكافيين قبل النوم، وأيضا وضعيةُ النوم الخاطئة، كالنومِ على البطن، ومن أهم أسبابِ الكوابيس تدخلُ الشيطان في أحلامنا تدخلاً من نوع ما لا نعلمُ كنهه ولا كيفيته، كما قال عليه الصلاةُ والسلام فيما ذكرناه من حديث: “وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ ، فَإِنَّمَا هِىَ مِنَ الشَّيْطَانِ” وكما في حديثٍ صحيحٍ آخر ((إِنَّ الرُّؤْيَا ثَلاثٌ: مِنْهَا أَهَاوِيلُ مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ بِهَا ابْنَ آدَمَ)).

أما عن عـــــلاج الكوابيس،

وتجنبِ آثارها الضارة، وكيفيةِ التخلصِ منها، فنذكرُ العلاجَ النبوي أولا، فكلُّ خيرٍ في اتباع هديه ، ويمكن أن نختصرَ ذلك في عشرة آداب ثبتت في أحاديثَ صحيحةٍ سبق ذكرُها، منها هذا الحديثُ: “وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا ، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَلْيَتْفِلْ ثَلاَثًا وَلاَ يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ »

وأول هذه الآداب

أو الوسائل التي تخلصُك من الكوابيس: الاستعاذةُ بالله من شرها، والاستعاذة هي الالتجاءُ إلى الله تعالى والاعتصام به من شر كل ذي شر.

والأدب الثاني:

الاستعاذةُ من الشيطان ثلاثًا؛ لأنَّ الرؤيا المكروهةَ من الشيطان، فهو الذي يخيِّل بِهَا ليَحزنَ الآدمي ويهولُ عليه، فكما أن الشيطان يكيدُ للإنسان فى اليقظة بالتزيين والوسوسة، يكيد له فى منامه بأحلامٍ سيئة، وكوابيسَ مزعجةٍ ليفزعه ويحزنه،  ومعنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أي  أعتصم به ومن الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي، فإن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله الذي خلقه.
والأدب الثالث: أن يستعيذ بالله بالتعويذة الواردة، وفي الحديثِ الحسن ” جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه أهاويل يراها في المنام، فقال له ” إذا أويت إلى فراشك فقل: أعوذ بكلمات الله التامة، من غضبه وعقابه، ومن شر عباده، ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون “.

والأدب الرابعُ:

أن يسأل الله من خيرها، فلربما تحملُ الرؤيا في طياتها خيرا وهو لا يدري، بل ربما تكونُ أحداثُ الرؤيا سيئةَ مكروهة في ظاهرها، لكنَّ تعبيرَها حسنٌ جيد، و ثبتَ في بعض روايات الحديث:” وليسال الله من خيرها”

 والأدب الخامس:

أن يتفِلَ عن يساره ثلاثا، والتفل: نفخ معه ريق لطيف؛ وذلك طردًا للشيطان الذي حضر الرؤيا المكروهة وتحقيرًا له، وهذا يعطي الإنسان قوة نفسية ودفعة إيمانية، فهو بالله أقوى من الشيطان، وأقوى من الأحلام المفزعة.

والأدبُ السادس:

أن يتحول عن الجنب الذي استيقظ عليه، تفاؤلاً بتحول تلك الحال التي كان عليها إلى حال أفضل.

والأدب السابع:

أن يصلي ما تيسر له، لما في الصلاة من التوجه إلى الله واللَّجَأ إليه؛ وفي الصلاة أمان من كل ما يخاف منه الإنسان ، فأقربُ ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.

والأدب الثامن:

أن لا يفسرها ؛ لأن الرؤيا تقعُ على ما تعبر عليه، كما شرحناه مرارا

والأدب التاسع:

ألاَّ يُحَدِّث بِهَا أحدًا، لكي لا تحدثَ تأثيرًا في نفوس المستمعين لها، كما أن للكلمات السلبية تاثيرا كبيرا في جلب الأحداث السيئة، كما أن البلاء موكول بالمنطق كما بيناه سابقا

والأدب العاشر الأخير:

أن يحسن الظن بربه وأن يستيقن أن الرؤيا السيئة لن تضرَه أبدا، وقد مر في الحديث ” فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ »

هذه هي الوسائل الشرعية لتجنبِ ضرر الكوابيس والأحلام المزعجة، أما الوسائل المادية والصحية،

  • فمنها اجتنابُ التدخين،
  • وتركُ الأطعمة الدسمة (الدهنية) أو التي تحتوي على توابل قبل الخلود إلى النوم،
  • وعدمُ التفكير السلبي قبل النوم،
  • واجتناب مشاهدة أفلام الرعب،
  • والعزوف عن متابعة الأخبار قبل النوم،
  • وعدم تناول الكافيين  قبل النوم بست ساعات على الأقل،
  • وتناول مشروباتٍ مهدئة بدلا منها جالبةً للنوم مثل الحليب الدافئ أو اليانسون أو العسل،

كما أن المحافظة على آداب النوم الإسلامية من الوضوء وقراءة المعوذات وآية الكرسي والأذكار الواردة تقي بإذن الله تعالى من الكوابيس  والأحلام المزعجة.