بيعة النساء

البيعة معاهدة على السمع والطاعة،

وكانت أمُّ العلاء ممن أوفت ببيعتها، كما ثبتَ ذلك في صحيح البخاري في باب بيعة النساء، وكانت هذه البيعةُ على الإسلام، كما أخرج مَالِكٌ عَنْ أُمَيْمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي نِسْوَةٍ بَايَعْنَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَقُلْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ نُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا نَسْرِقَ وَلَا نَزْنِيَ وَلَا نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا وَلَا نَأْتِيَ بِبُهْتَانٍ نَفْتَرِيهِ بَيْنَ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا وَلَا نَعْصِيَكَ فِي مَعْرُوفٍ» وفي الحديث المتفق عليه أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتِ الْمُؤْمِنَاتُ إِذَا هَاجَرْنَ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ يُمْتَحَنَّ بِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ} [الممتحنة: 12] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا أَقْرَرْنَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِنَّ، قَالَ لَهُنَّ «انْطَلِقْنَ، فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ» وَلَا وَاللهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ ﷺ يَدَ امْرَأَةٍ قَطّ”

وهكذا كان الجيلُ الأولُ من نساء الإسلام،

يبايعن رسولَ الله ﷺ على الاستقامة على الإسلام، فلَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ ولا يقتلن،

فما بالُ بعضِ نسائنا يبايعن أمراءَ الجماعاتِ الخارجية والتنظيماتِ السرية على الطاعة العمياء، والقيامِ بأعمال العنف والقتل والتخريب والعمليات الإنتحارية، تهربُ الواحدةُ منهن من أقصى بلاد المسلمين إلى تنظيمٍ خبيث في دولةٍ بعيدةٍ، وتفتخرُ بأنها بايعت أميرَ التنظيم،

ما الذي جرى لنسائنا؟

مَن خرّب عقولهم ولوّث أفكارهن، أرغبن عن منهجِ خديجةَ وعائشةَ ونساءِ بيت النبوة رضي الله عنهن وأرضاهن،

فالبيعةُ على السمع والطاعةِ بعد رسول الله ﷺ لا تجوزُ إلا لرئيس الدولة، ولا يجوزُ أن يخلعَ المسلمُ هذه البيعةَ ليعطيها لرئيسِ تنظيم أو لأميرِ جماعة،

هذه أحكامٌ شرعيةٌ لا يجوز التلاعبُ بها،

كما قال ابنُ كثير: وقد كان عبد الله بنُ عمرَ بنِ الخطاب وجماعاتُ أهل بيت النبوة ممن لم ينقض العهد , ولا بايع أحدا بعد بيعته ليزيد, وهكذا شهد ابنُ كثير في تاريخه أن نساء بيت النبوة لم يخلعن بيعةَ رئيسِ الدولة ولا بايعن لأحدٍ غيرِهِ!

أين نساؤنا اليوم من نساء الجيل الأول في فهم الإسلام والإستقامة على منهاجه، كانت المرأةُ في الزمان الأول صِمَامَ أمن وأمان ليس على المسلمين فحسب بل وعلى الكفار، ليس على بنات جنسها فحسب، بل وعلى الرجال، فكانت المرأةُ من الجيلِ الأول الذي أحسنَ فهمَ الإسلام تجيرُ الرجلَ من الكفار وتؤمِّنُهُ على نفسه ودمه وماله، فيحترمُ كلُّ المسلمين أمانها، و يعتبرُ كلُّ واحد منهم أنه هو الذي أعطاه الأمان فلا يتعرضُ له أحدٌ بسوء، لقد أعطى الإسلامُ هذا الحقَّ للمرأة كما أعطاه للرجل،

اقرؤوا إن شئتم ما أخرجه البخاري في بَابِ أَمَانِ النِّسَاءِ وَجِوَارِهِنَّ

عن أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ، تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَامَ الفَتْحِ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «مَنْ هَذِهِ؟»، فَقُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ»، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ، قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلِيٌّ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ فُلاَنُ بْنُ هُبَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ»، قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: وَذَلِكَ ضُحًى، والحديثُ أخرجه مسلم أيضا، وأخرجه أبو داود

مختصرا عن ابن عباس في باب أمان المرأة فقال: حدثتني أم هانئ بنت أبي طالب، أنها أجارت رجلا من المشركين يوم الفتح فأتت النبي ﷺ فذكرتْ ذلك له، فقال: قد أجرنا من أجرت، وأمنا من أمنت.

فأم هانئ تؤمن رجلا من المشركين في وقت حرب على دمهِ ومالهِ، فيوجب ﷺ على كل مسلم أن يحترمَ عهدَ أمانِها، ولا يتعرض لمن أمنته بسوء، فما بالُ البعضِ يتعرض لامرأةٍ غير مسلمة بالقتل في وقت سلم، دخلت الدولةَ بتأشيرة، والتأشيرةُ هي بمثابة عهد أمان في مصطلح الفقهاء، فحينما يسمحُ موظفُ الجوازات لأي إنسانٍ بدخولِ الدولة، فهذا عهدُ أمان لهذا الإنسان أخذه ليس من موظف الجوازات فحسب، بل من كل مسلمٍ في الدولة،

بل إن النبي ﷺ نهى عن قتل النساء الكافرات في الحرب، فكيف في وقت السلم، فأخرج الشيخانِ البخاريُّ، ومسلم في بَاب تَحْرِيمِ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فِي الْحَرْبِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «وُجِدَتِ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ تِلْكَ الْمَغَازِي، فَنَهَى رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ»

وقد أكد السادةُ العلماء على أن الكافر إذا دخل الدولة الإسلامية بتأشيرة أو بإذن دخول من موظف الجوازات المخول، فإنه يكون في ذمة المسلمين وأمانهم كلهم من أولهم لأخرهم، حتى وإن كان من دولةٍ محاربة، فمن تعرض لهذا الكافر بسوء، فإنه يكون غادراً، وفي  الحديث الصحيح:”مَنْ أَمِنَ رَجُلًا عَلَى دَمِهِ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ لِوَاءَ غَدْرٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” وفي رواية:” من أمن رجلاً على دمه فقتله، فأنا بريء من القاتل وإن كان المقتول كافرا

ومما يؤكد أن كل مسلم مسؤولٌ عن حماية غير المسلمين في الدولة وحفظِ أمنهم،

وليست الشرطةَ فحسب كما يظن البعضُ، ما أخرجه البخاري في باب إِثْمِ مَنْ عَاهَدَ ثُمَّ غَدَر وأخرجه كذلك مسلم من حديث علي عن النبي ﷺ قال «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَدْلٌ، وَلَا صَرْفٌ»