تفسير العين الجارِية في المنام

وصلنا إلى الباب السابع والعشرين من كتاب التعبير من صحيح البخاري حيثُ ذكر البخاريُّ رؤيا أُمَّ العَلاَءِ الأنصارية فقد رأت في منامها أن لِعُثْمَانَ بنِ مظعون عَيْنًا من الماء جارية، وذلك بعد موتهِ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَعبرها بحسن عاقبته في الآخرة، فقال: «ذَلِكَ عَمَلُهُ» وفي تعبير الْعين الْجَارِيَة فِي الْمَنَام، يقول السادةُ العلماءُ: إن تفسيرها يختلف باختلاف أحوال الناس وصفاتهم، فَإِنْ كَانَ مَاءُ العين صَافِيًا عُبِرَتْ بعَمَلٍ صالحٍ لاينقطع ثوابه كوقف أرضٍ أو صدقةٍ جارية أو علمٍ يُنتفع به، فإن كان ماؤها غيرَ صاف فهو غم وحزن، وقد تدل على مشكلات وفتن لقوله تعالى: (وفجرنا الأرض عيونًا فالتقى الماء على أمر قد قدر).

قال البخاريُّ رحمه الله:

27 – باب الْعَيْنِ الْجَارِيَةِ فِى الْمَنَامِ

7018 – حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أُمِّ العَلاَءِ، وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِمْ، بَايَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ، قَالَتْ: طَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِي السُّكْنَى، حِينَ اقْتَرَعَتْ الأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَى المُهَاجِرِينَ، فَاشْتَكَى فَمَرَّضْنَاهُ حَتَّى تُوُفِّيَ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ فِي أَثْوَابِهِ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ، قَالَ: «وَمَا يُدْرِيكِ» قُلْتُ: لاَ أَدْرِي وَاللَّهِ، قَالَ: «أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ اليَقِينُ، إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الخَيْرَ مِنَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي – وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ – مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ» قَالَتْ أُمُّ العَلاَءِ: فَوَاللَّهِ لاَ أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ،

قَالَتْ: وَرَأَيْتُ لِعُثْمَانَ فِي النَّوْمِ عَيْنًا تَجْرِي، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «ذَاكِ عَمَلُهُ يَجْرِي لَهُ»

قولُ الزهري: عَنْ أُمِّ العَلاَءِ، وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِمْ (أي من نساء الأنصار، واسْمُهَا كُنْيَتُهَا يعني أم العلاء) فماذا قالت أمُّ العلاء؟ قالت: طَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ (أي وقع في سهمنا) فِي السُّكْنَى، حِينَ اقْتَرَعَتْ الأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَى المُهَاجِرِينَ ) تخبر أم العلاء أن الأنصار استضافوا المهاجرين في منازلهم واقتسموهم فيما بينهم عن طريق القرعة، قَالَتْ أُمُّ العَلاَءِ: فَاشْتَكَى (أي مرضَ عثمانُ بعد أن أقام مدة) فَمَرَّضْنَاهُ (أي قمنا بأمره في مرضه) حَتَّى تُوُفِّيَ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ فِي أَثْوَابِهِ، (أي غسلناه ثم كفناه في أثوابه) فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ، فقَالَتْ أُمُّ العَلاَءِ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ (وهي كنيةُ عثمانَ بنِ مظعون )، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ، ( أي أشهدُ لك أن الله أكرمك بالجنة) فقال النبي ﷺ: «وَمَا يُدْرِيكِ» أي من أين علمتِ أن الله أكرمه بالجنةِ، فأنكر النبي ﷺ عليها قولها هذا لأنّها أقسمت على شيء في علم الغيب، فقال لها ما معناه: ومَن أعلمَكِ أن الله أكرمه بالجنة، فقالت أمُّ العلاء؟: لاَ أَدْرِي وَاللَّهِ، فقَالَ ﷺ: «أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ اليَقِينُ (يعني الموت) إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الخَيْرَ مِنَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي – وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ – مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ» قَالَتْ أُمُّ العَلاَءِ: فَوَاللَّهِ لاَ أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ، (أي لا أقطع لأحد بعده بالجنة مهما بلغ من الصلاح والتقوى إلاّ الذين شهد لهم النبي ﷺ) قَالَتْ أمُّ العلاء: وَرَأَيْتُ لِعُثْمَانَ فِي النَّوْمِ عَيْنًا تَجْرِي، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «ذَاكِ عَمَلُهُ يَجْرِي لَهُ» (أي يجري له ثوابُ عملهِ، وكان عثمانُ بنُ مظعون من الأغنياء فلا يبعد أن يكون له صدقةٌ استمرت بعد موتهِ، كما كان له ولدٌ صالح شهد غزوةَ بدر وهو السائب).
البيعة الشرعية

هذا وقد ذكر راوي الحديث

أن أمَّ العلاءِ بَايَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فما البيعةُ الشرعية؟ ولمن تكون؟ وهل كان هناك بيعة للنساء في زمان الإسلام الأول ؟ فالبيعة معاهدة على السمع والطاعة، وكانت أمُّ العلاء ممن أوفت ببيعتها، كما ثبتَ ذلك في صحيح البخاري في باب بيعة النساء، وكانت هذه البيعةُ على الإسلام، كما أخرج مَالِكٌ عَنْ أُمَيْمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي نِسْوَةٍ بَايَعْنَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَقُلْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ نُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا نَسْرِقَ وَلَا نَزْنِيَ وَلَا نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا وَلَا نَأْتِيَ بِبُهْتَانٍ نَفْتَرِيهِ بَيْنَ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا وَلَا نَعْصِيَكَ فِي مَعْرُوفٍ» وفي الحديث المتفق عليه أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتِ الْمُؤْمِنَاتُ إِذَا هَاجَرْنَ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ يُمْتَحَنَّ بِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ} [الممتحنة: 12] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا أَقْرَرْنَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِنَّ، قَالَ لَهُنَّ «انْطَلِقْنَ، فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ» وَلَا وَاللهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ ﷺ يَدَ امْرَأَةٍ قَطّ”