وقد ذكر علماءُ التعبير أن رؤيةَ المرأةِ فى المنام
20 – بَابُ كَشْفِ المَرْأَةِ فِي المَنَامِ.
قولُه ﷺ:” أُرِيتُكِ فِي المَنَامِ مَرَّتَيْنِ، وفي رواية لمسلم (ثلاث مرات) وهذه الرؤيا كانت بعد الوحي وبعد موت خديجة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كما جاء في روايات أخرى، وليست قبل النبوة كما ذهب بعض العلماء، فقَدْ جاء في روايةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ :” أُتِيتُ بِجَارِيَةٍ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ بَعْدَ وَفَاةِ خَدِيجَةَ فَكَشَفْتُهَا فَإِذَا هِيَ أَنْتِ”
وقوله ﷺ:” إِذَا رَجُلٌ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ” الرجلُ هو جبريل عليه السلام، وقد جاء في صورةِ رجلٍ كما بينته الروايات الأخرى) وقوله يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، (السَّرَقَةُ بِفَتْحِ السين وَالرَّاءِ وَالْقَافِ هِيَ الْقِطْعَةُ، والمعنى أن الملَك جبريلَ الذي تمثلَ على هيئةِ بشرٍ سوي كان يحملها في قطعةٍ من جيد الحرير، وَجاء فِي رِوَايَة ابن حِبَّانَ “فِي خِرْقَةٍ حَرِيرٍ” فَيَقُولُ هَذِهِ امْرَأَتُكَ، يعني أن جبريل قال لرسولنا ﷺ هذه زوجَتُك، وقوله ﷺ فَأَكْشِفُهَا يعني أن النبي ﷺ كشف عن وجهها قطعةَ الحرير لكي يرى من هذه المرأة ( كما في رواية أخرى: فَكَشَفْتُ عَنْ وَجْهكِ الثَّوْبَ) فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، يُرِيدُ أَنَّ التي رَآهَا فِي النَّوْمِ هي عائشةُ رضي الله عنها لَا غَيْرَهَا من النساء.
وقوله ﷺ: فَأَقُولُ: إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ ” لفظ الشكّ (إِنْ يَكُنْ) لا يُراد بِهِ ظَاهِرُهُ فهو ﷺ لم يشك في أنها ستكون زوجةً له، فرؤيا الأنبياء وحي، ولكن أخبر بأسلوب التأكيد في صورة الشك، وهو نوعٌ من البديع عند أهل البلاغة يسمونه تجاهلَ العارف، وسماه بعضهم مزجَ الشكِ باليقين، على نحو قوله تعالى: {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِك} وقوله: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ}
فقوله إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ ” يقينٌ وليس بشك، وهي كلمة فيها تواضعٌ، وفيها تفويضُ الأمر لله تعالى، وقد أمضاه الله تعالى، وأصبحت عائشةُ الصديقةُ بنتُ الصِّديقِ من أزواجه ﷺ وصارت أفضلَ أمهات المؤمنين -رضي الله عنهن جميعًا-
وما من شكٍ أن الحديثَ يدل على فضلها وعلو قدرها في الدين والملة بإجماع أهل السنة!
لم يَكُن في الأُممِ مثلُ عائشةَ في حِفْظها وعِلْمها، وفصاحتِها وعَقْلِها
هي أفْقَهُ نِساء الأمَّة على الإطلاق، ولا أعْلمُ في أمَّة محمَّد، بل ولا في النِّساء مطلقًا امرأةً أعلمَ منها
لو جُمِع عِلمُ عائشة إلى عِلمِ جميعِ النساء، لكان علمُ عائشةَ أفْضلَ،
“إنَّ عائشةَ كانتْ وحيدةً بعصرها في ثلاثةِ علوم: علمِ الفقه، وعلم الطب، وعلم الشِّعر”.
«مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَدِيثٌ قَطُّ فَسَأَلْنَا عَائِشَةَ إلَّا وَجَدْنَا عِنْدَهَا مِنْهُ عِلْمًا»
رَأَيْت مَشْيَخَةَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَسْأَلُونَهَا عَنْ الْفَرَائِضِ.
وقد كان النبيُّ يكثر الدعاء لها،
وحسبك بامرأة يخصها جبريل بالسلام، قال ﷺ يَوْمًا لها كما في الصحيح: ((يا عائِشَ، هَذا جبْريلُ يُقْرِئُكِ السَّلاَم))، فَقُلْتُ: وَعليه السلام ورحْمَةُ اللَّهِ وبَرَكاتُه، تَرَى ما لا أَرى!
وقدْ تعرَّضَتْ لفتنة كبيرة حيث طَعَن المنافقون في عِرْضها، فأنْزَل الله براءتَها من فوقِ سبعِ سموات، وقد قالتْ – رضي الله عنها – كما في الصحيحين: “واللهِ ما كنتُ أظنُّ أنَّ الله منزلٌ في شأني وحيًا يُتْلَى، لشأني في نفْسي كان أحْقرَ مِن أن يتكلَّم الله فيَّ بأمْر، ولكن كنتُ أرْجو أن يرَى رسولُ الله ﷺ في النومِ رُؤيَا يُبرِّئني الله بها، فواللهِ ما رام رسولُ الله ﷺ مجلسَه، ولا خرَج أحدٌ مِنْ أهل البيت حتَّى أُنزِل عليه، فأخَذَه ما كان يأخُذُه من البُرَحَاء، حتى إنَّه ليتحدَّر منْه مِن العَرَق مثل الجُمَان، وهو في يومٍ شاتٍ مِن ثِقَلِ القوْل الذي أُنزِل عليه.
قالت: فَسُرِّي عن رسولِ الله ﷺ وهو يَضْحَك، فكانتْ أوَّل كَلمةٍ تَكلَّم بها أنْ قال: ((يا عائشةُ، أمَّا اللهُ فقدْ بَرَّأكِ))، قالت: فقالتْ لي أُمِّي: قُومِي إليه، فقلتُ: واللهِ لا أقومُ إليه، فإنِّي لا أحْمَدُ إلاَّ اللهَ – عزَّ وجلَّ.قالت: وأنزَل الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ﴾ [النور: 11]
ومِن خصائصها: أنَّه لَمْ يتزوَّج امرأةً بِكرًا غيرها.
ومن خصائصها: أنَّه كان يَنزِل عليه الوحيُ وهو في لحافِها دونَ غيرِها.
ومِن خصائصها: أنَّ رسولَ الله ﷺ تُوفِّي في بيتها، وفي يومِها، وبيْن سَحْرِها ونَحْرها، ودُفِن في بيتها.
ذكر لها الزَّرْكشيُّ في كتابه “الإجابة لإيراد ما استدركتْه عائشةُ على الصحابة ” أربعين خصيصة لها انفردت بها عن بقية أزواج النبي ﷺ
وقال في العاشرة منها بوجوب محبَّتِها على كلِّ أحد، لما ثبت في الصحيح: لمَّا جاءتْ فاطمة – رضي الله عنها – إلى النبيِّ ﷺ قال لها: ((ألسْتِ تُحبِّين ما أُحبُّ؟)) قالت: بلى، قال: ((فأَحبِّي هذه – يعني: عائشة))، والأمْرُ ظاهِرُه الوجوب.
اللهم إنا نشهدك على حب أمنا عائشة أكثر من أمهاتنا.
تُوفِّيت – رضي الله عنها وأرْضاها – سَنةَ سَبْعٍ وخمسين في ليلةِ الثلاثاء لسَبْعَ عشرةَ خَلَتْ مِن رمضان بعدَ الوتر، ودُفنت من ليلتها، وصلَّى عليها أبو هريرة، بعدَ أن عمرتْ ثلاثًا وستين سَنَة وأشهرًا – ودفنت بالبقيع.