شرح (باب مَنْ رأى النبيَّ ﷺ فِي المَنامِ) من كتاب التعبير من صحيح البخاري

الباب العاشر(باب مَنْ رأى النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي المَنامِ)

وما من شكٍ أن رؤياه ﷺ شرفٌ ما بعده شرف، وأنسٌ لا يدانيه أنس، وفرحةٌ لا تضاهيها فرحة، لا سيما عندَ تكاثرِ الفتن واشتدادِ المحن وابتعاد الأمة عن عهد النبوة، حينذاك تزداد القلوبُ شوقا لرؤيته، فرؤيته ﷺ تقويةٌ للإيمان، وشحذٌ للهمة، وأكثر ُتثبيتا على الإسلام والسنة، وبشارةُ خير للرائي، تجعلُه أكثرَ رغبةً فى الطاعة، وأكثرَ حياءً من المعصية.

بشرانا إن نحن رأينا *** في الرؤيا وجهَ المختارِ
مبتسمَ الثغر وضاحكَه *** وضّاءً بالنور الساري
مَن شاهد شيئًا يُعجبه *** تكرارًا قد يتجنبهُ
وجمالُ الهادي نرقبُهُ *** لن نسأمَ رُغم التكرار

فليس عندنا من البشر أغلى ولا أحبَّ من النبي ﷺ ، لا زوجة ولا ولد ولا بنت ولا أب ولا أُم بل ولا النفس التي بين جنبينا، كلُّ ذلك ليس أغلى من النبي ﷺ، وكلنا نتشوفُ لرؤيته في المنام، فرؤيتهُ ﷺ في المنام بلسمٌ ولذةٌ ومتعة، وفرحةٌ وسكينةٌ وطمأنينة، هى الشرفُ الأسمى والراحةُ العظمى، فكل واحدٍ منا من شدّة شوقه وفَرْطِ حبه للنبي ﷺ مستعدٌ لأن يبذلَ أهلَه ومالَه مقابلَ أن ينظر إليه ﷺ نظرةً واحدة، كما قال ﷺ فيما رواه الشيخان” إن من أشد أمتي حبا لي، رجلٌ يتمنى أن يراني بأهله وماله”

إن رؤية النبي (ﷺ) في المنام لا تستلزمُ عصمةَ الرائي ولا صلاحَه ولا أنه من أهل الجنة، فقد قرر العلماء أن رؤية الرسول (ﷺ) في المنام هي رؤيا صادقة صالحةٌ ومبشرة بخيرات كبيرة للرائي، وليس ضمانةً بدخول الجنة.
إن رؤيا النبي ﷺ في المنام، قضية من الأهمية بمكان، ومن أجل ذلك عقد البخاريُّ هذا البابَ، وأخرج فيه بسنده المتصلِ خمسةَ أحاديث تدورُ كلُّها حول هذه القضية.

الأول وهو برقم 6993

أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقُولُ:” مَنْ رَآنِي فِي المَنامِ فَسَيَراني فِي اليَقَظَةِ، وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطانُ بِي” ثم علق البخاري بقوله: قَالَ ابنُ سيرينَ: “إِذا رآهُ فِي صُورَتِهِ”. يعني صورته التي كان عليها ﷺ في حياته لا في صورةٍ أخرى.

ولأن الرؤيا على ثلاثة أنواع كما في حديث الترمذي وغيره :” الرُّؤْيَا ثَلاَثٌ، فَرُؤْيَا حَقٌّ، وَرُؤْيَا يُحَدِّثُ بِهَا الرَّجُلُ نَفْسَهُ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ ” فقد أراد البخاري رحمه الله أن يبين أَن رُؤْيَة النَّبِي ﷺ فِي الْمَنَام حق وهي صَحِيحَة، وَلَيْسَت بأضغاث أَحْلَام، وَلَا من تشبيهات الشَّيْطَان، يُؤَيّدُ ذلك قَوْله ﷺ”من رآني فقد رأى الْحق” أَي: رأى رُّؤْيَا صَّحِيحَة.وقَوْله: فسيراني فِي الْيَقَظَة أَي: من رَآهُ فِي الْمَنَام من أهل عصره عليه السلام وَفقه الله لِلْهِجْرَةِ إِلَيْهِ في المدينة والتشرف بلقائهِ، وفي ذلك يقول ابنُ التِّين: المرادُ مَن آمن به في حياته ولم يَرَه؛ لكونه حينئذٍ غائبًا عنه؛ فيكونُ بهذا مبشِّرًا لكلِّ مَن آمن به ولم يره؛ أنه لابدَّ أن يراه في اليَقَظَة قبل موته ﷺ.”

ولا يؤخذ من قوله :”فسيراني في اليقظة أنَّ رؤيا النَّبيِّ ﷺ في المنام سببٌ لدخول الجنة وبشرى لرؤيته فيها: فلا يوجَدُ دليلٌ صحيحٌ صريح على أنَّ مَن رأى النَّبيَّ ﷺ في المنام فسيراه في الجنة، أو أنَّ رؤيتَه سببٌ في دخولها، كيف وقد رآه بعض الكفرةِ في المنام واليقظة، وأمَّا حديثُ: «مَن رآني فقد حَرُمَت عليه النَّارُ». فليس بصحيح

وقَوْله: وَلَا يتَمَثَّل الشَّيْطَان بِي أَي: لَا يتشبه بِي. فكَمَا منع الله الشَّيْطَانَ أَن يتَصَوَّر بصورته فِي الْيَقَظَة، فكَذَلِك مَنعه فِي الْمَنَام لِئَلَّا يشْتَبه الْحقُّ بِالْبَاطِلِ في كل صوره وأحواله!

وقولُ مُحَمَّد بن سِيرِين: إِذا رَآهُ فِي صورته أَرَادَ أَن رُؤْيَته ﷺ لَا تُعْتَبر إلاَّ إِذا رَآهُ الرائي على صفته الَّتِي ثبتت في كتب الحديث والسنة.

وقد ثبت بسندٍ صحيح أن ابْن سِيرِين كان إِذا قَصّ عَلَيْهِ رجلٌ أَنه رأى النَّبِي ﷺ في المنام، قَالَ: صِف الَّذِي رَأَيْته، فَإِن وصف لَهُ بِصفة لَا يعرفهَا قَالَ: لم تره، ولا يعارض هذا حديثُ أبي هُرَيْرَة، “من رَآنِي فِي الْمَنَام فقد رَآنِي فَإِنِّي أُرى فِي كل صُورَة” لأنه حديث ضعيف!

وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى اشتراط أن يكون النبي ﷺ في الرؤيا عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا في حياته جَمَاعَةٌ من أهل العلم، وَمِنْهُمْ مَنْ ضَيَّقَ ذَلِكَ جدا حَتَّى قَالَ لَا بُدَّ أَنْ يَرَاهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي قُبِضَ عَلَيْهَا، حَتَّى اعتبر عَدَدَ شَّعَرَاتِهِ الْبِيضِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ عِشْرِينَ شَعْرَةً، والصحيح الذي أميلُ إليه في تأويل هذا الحديث أنه على عمومهِ وإطلاقهِ وأن مقصوده ﷺ أن رؤيته في كل حالة ليست باطلة ولا أضغاثًا، بل هي حقٌ في نفسها، ولو رُؤي على غير صورته، فتصورُ تلك الصورةِ ليس من الشيطان، ولا هي من حديث النفس، ولا من أضغاث الأحلام، ويؤيد ذلك قوله ﷺ: ((فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ)).

والحديث الثاني في هذا الباب برقم 6994

عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَنْ رَآنِي فِي المَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَخَيَّلُ بِي، وَرُؤْيَا المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ»
وقَوْله ﷺ:: “مَنْ رَآنِي فِي المَنامِ فقد رَآنِي“: مَعْنَاهُ أَن رُؤْيَاهُ صَحِيحَةٌ لَا تكون أضغاثاً وَلَا من تشبيهات الشَّيْطَان، ويؤيد ذلك ما جاء فِي بعض طرق الحديث: فقد رأى الْحق.

و قَوْلهﷺ: فَإِن الشَّيْطَان (لا يتخيل بي) أي لا يتمثل ولا يتصور في صورتي كما ثبت فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: فَإِن الشَّيْطَان لَا يتَمَثَّل فِي صُورَتي، أي لَا يَتَشَبَّهُ بِي، وَفِي حَدِيث جَابر: لَا يَنْبَغِي للشَّيْطَان أَن يتَمَثَّل فِي صُورَتي، وَفِي لفظ مُسلم: أَن يتشبه، بدل أَن يتَمَثَّل، وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود: إِن الشَّيْطَان لَا يَسْتَطِيع أَن يتَمَثَّل بِي، وَفِي حَدِيث أبي قَتَادَة في هذا الباب: وَإن الشَّيْطَان لَا يتراءاى بِي، وَمَعْنَاهُ: لَا يَسْتَطِيع أَن يصير مرئياً بِصُورَتي، وَفِي رِوَايَة: لَا يتزايا، أَيْ لَا يَظْهَرُ فِي زِيِّي، وَفِي حَدِيث أبي سعيد فِي آخر هذا الْبَاب: فَإِن الشَّيْطَان لَا يتكونني، أَيْ لَا يتكون فِي صُورَتِي. وكلُّ هذه الألفاظِ لا اختلافَ في معانيها، فَجميعها رَاجِعٌ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ

والحديث الثالث رقمه 6995

عنْ أبي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ النبيُّ ﷺ:” الرُّؤْيا الصَّالِحَةُ مِنَ الله، والحُلْمُ مِنَ الشَّيْطانِ، فَمَنْ رأى شَيْئا يَكْرَهُه فَلْيَنْفِثْ عنْ شِمالِهِ ثَلاثاً وَلْيَتَعَوَّذْ مِنَ الشَّيْطانِ فإنَّها لَا تَضُرُّهُ، وإنَّ الشَّيْطانَ لَا يَتَزَايا بِي: أَيْ لَا يَظْهَرُ فِي زِيِّي، ولا يتكيف بكيفيتي التي أنا عليها، ويقولُ بعضُ الباحثين إن لفظ يتزايا هي أصل الكلمة المصرية العامية الشهيرة إزيك والتي تعني كيف حالك؟

والحديث الرابع رقمه 6996

-عنَ أبُي قَتادَةَ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ النبيُّ ﷺ: “مَنْ رَآنِي فَقَدْ رأى الحَقَّ
وقَوْله: فقد رأى الْحق أَي: الرُّؤْيَة الصَّحِيحَة الثَّابِتَة لَا أضغاثَ أَحْلَام وَلَا خيالاتٍ بَاطِلَة

والحديث الخامس الأخير رقمه 6997

– عنْ أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ سَمِعَ النبيَّ ﷺ يقُولُ “مَنْ رَآنِي فَقَدْ رأى الحَقَّ فإنَّ الشَّيْطانَ لَا يَتَكَوُّنُنِي” أَي: لَا يتشكل بشكلي

وقد اخُتُلفَ في معنى هذه الجملة النبوية ((مَنْ رَآنِي فِي النَّوْمِ فَقَدْ رَآنِي)) وظنَّ بعض الناسِ: أن من رأى النبي ﷺ في النوم رأى حقيقته ﷺ ببدنه الشريف وبلحمه ودمه ﷺ، كمن رآه في اليقظة سواء، وهذا غلط، ويلزم على فهم هذه الأحاديثِ على ظاهرها لوازمُ غيرُ صحيحة، فتخيل أيها المحبُّ لو أن مسلما واحدا كل دقيقة يرى النبي ﷺ من بين مليارٍ ونصف المليار مسلم وهو ما يمثل 20% من سكان العالم, تخيل أن يراه مسلم واحد على أقل تقدير في كل دقيقة، فإذا جمعنا ذلك فضربنا 60 دقيقة في 24 ساعة فإنه يعني أنه يرى النبيَ ﷺ في اليوم الواحد 1440 مسلما، تخيل أيضا أن خمسة على أقل تقدير يرون النبي ﷺ في وقت واحد، أحدهم عندنا في دبي والثاني في مكة شرفها الله والثالث في الرباط والرابع في لندن والخامس في الباكستان تخيل بناء على هذا القول أن كل واحد من هؤلاء الخمسة يراه ﷺ على الحقيقة بلحمه ودمه ﷺ في وقت واحد، فمعنى ذلك أنه ﷺ خارجُ قبره طولَ الوقت، ويلزمُ من ذلك أيضا أن قبره خالٍ من جسده الشريف طولَ الوقت، وأن الناس يزورون مجرد قبر فارغٍ طولَ الوقت، ويقفون على قبره يُسلَّمون على غائب عن القبر طولَ الوقت؛ وأنه يتجول في أنحاء البلاد طولَ الوقت، إذن فقولُ البعض أن النبي ﷺ يُرى في المنام على الحقيقة ببدنه ولحمه ودمه كما يُرى في اليقظة باطل باطل لا يقول به عاقلٌ أي عاقل!

والصحيح في تأويل هذه الأحاديث

أن مقصوده ﷺ أن رؤيته في كل حالة ليست باطلة ولا أضغاثًا ولا من حديثِ النفس، بل هي حق في نفسها، ولو رؤي على غير صورته، فإن تلك الصورة ليس من الشيطان، ولا هي من الأضغاث، ويؤيد ذلك قوله ﷺ: ((فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ)).أي أن الرائي رأى الحق الذي قُصدَ تعريفهُ به، فرؤياه حقٌ ورؤياه صحيحة قد تكونُ على ظاهرها وإلا سعى الرائي في تأويلها، ولا ينبغي أن يهملَ أمرها؛ لأنَّهَا إما بُشرى بخير يأتيه، أو إنذارٌ من شر قد وقع فيه أو سيقع فيه مستقبلاً، وهذا ما رجحه ابن حجر في كتابه فتح الباري، إذ يقول: والذي يظهر لي أن المراد: من رآني في المنام على أي صفة كانت فليستبشر، ويعلم أنه قد رأى الرؤيا الحق التي هي من الله، لا الباطل الذي هو الحُلم، فإن الشيطان لا يتمثل بي.”

وعلى هذا فالذي أميل إليه وأرجحه من بين أقوالٍ كثيرةٍ قيلتْ في هذه القضية

أنه لا يُشترط في رؤياه ﷺ أن نراه بصفاته الخِلْقية الشريفة التي وردت إلينا في كتب السنة والسيرة، فلا اعتبار إلا لما يقع في نفسك أثناء نومك أن هذا هو الحبيب المصطفى ﷺ، فرؤياه حق فلا يستطيع شيطانٌ أن ينتحل صفته عليه السلام، هذا ويرى بعضُ العلماء أن من رآه بغير صفاته المعروفة فذاك دليل على نقص في تقوى الرائي واستقامته على السنة، والله أعلم.

ونختم هذا البابَ (بابَ مَنْ رأى النبيَّ ﷺ فِي المَنامِ) بثلاث قضايا:

الأولى: الطريقُ لنيلِ شرفِ رؤياه ﷺ!

فالحق أن حبَّ النبى ﷺ، واتباعَ سنته، والشوقَ لرؤيته هو: الطريق الوحيدة الموصلةُ لرؤياه ﷺ وما عدا ذلك من أوراد أو أذكار أو صلوات أو ما ورد من أحاديثَ لا تصحُ نسبتُها لرسول الله ﷺ، كمِثل حديث “من صلى ليلة الجمعة ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحةَ الكتاب وآيةَ الكرسي مرة ,وخمس عشرة مرة ” قل هو الله أحد” و يقول في آخر صلاته ألفَ مرة ” اللهم صلي على محمد النبي الأمي)) فإنه يراني” وما قاله البعضُ “من صلى على النبي بصلاةٍ معينة لا داعي لذكرها سبعين مرة قبل نومه رأى النبي (ﷺ) في منامه, وما إلى ذلك فجميعه غيرُ صحيح, بل حكمَ العلماءُ ببدعيته.

والقضية الثانية هل يثبتُ بالرؤيا حكمٌ شرعي؟

وماذا لو ادعى رجل أنه رأى الرسولَ الكريم ﷺ وأمره بكذا وكذا؟ والجواب “أن من رأى النبيَ ﷺ في منامه، فأمره بحكمٍ يخالفُ حكمَ الشرع فإنه لا يكون مشروعًا في حَقِّه، ولا في حق غيره، فالرؤى والأحلام لا تحرمُ حلالاً، ولا تُحل حرامًا، ولا يترتب عليها حكمٌ شرعي” ذلك أن أحاديث رؤيته ﷺ تفيدُ عدمَ تمثلِ الشيطانِ في صورتهِ، فهي متعلقةٌ برؤيتهِ الشريفة ولا تعلق لها بكلامهِ وألفاظه، وفي ذلك يقول الإمام النووي: “أما الرؤية فجاء بها النصُّ فلا يمكن للشيطان أن يتمثل به ﷺ، أما ما وراء الرؤية كالكلام وغيره، فلم يأتِ فيه نصٌ يمنع أن يكون الشيطانُ ألقى في سمع النائم وتلاعبَ به”. كما أن روايةَ الأحاديث لا تُقبل إلا من العدل الضابط لما يَسمع، والنائمُ لا يُعتبرُ ضابطاً لما يسمعه في منامه بالدرجة المطلوبة، بل إن كثيرا ما ينسى الحالمُ ما سمعه في أحلامه، بل إنه ينسى أحلاما كاملة بكل تفاصيلها.

ولذلك قال الفقهاء: لو اختلف المسلمون في آخر يوم من شعبان هل غدًا أولُ رمضانَ أم لا، ثم رأى رجل النبي ﷺ في المنام ، وسمعه يقول له:”إن غدًا أولُ يوم من رمضان، فصمه وأمر الناسَ بصيامه”، فإنه لا يصحُ صيامُه؛ لأن النبي ﷺ أفتى الأمة يقظة فقال:”صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته”وقد سُئلَ الإمام زكريا الأنصاري أن رجلاً رأى رسول الله ﷺ في المنام يأمره أن يأمر المسلمين أن يصوموا يوم كذا، فقال:”لا يجب علينا صومه ولا نأمرُ به المسلمين بل يُندب صومهُ للرائي فقط”
ومن الأمثلة التي ضربها الفقهاءُ لو أن رجلا رأى النبي ﷺ في المنام فقال له: إن امرأتك طالق ثلاثًا، وهذا الرجلُ يجزمُ بأنه لم يطلقها، لم تحرم عليه.

فالرؤى والأحلام لا يترتبُ عليها شيء من الأحكام، هذا إذا كانت الرؤيا للبشر العاديين من غير الأنبياء، وأما الرؤيا التي يراها الأنبياء، فهي وحي، تترتب عليها الأحكامُ الشرعية بلا خلاف.

والمسألة الثالثة: هل يُرى النبيُّ ﷺ يقظةً بعد موته،

يعني كما يزعم البعضُ أنك إذا أكثرتَ من الصلاة والسلام عليه هل يمكن أن يزوركَ ﷺ ويجتمعَ بك في مكانك؟ وتكلمَه ويكلمَك؟ هكذا زعم البعض! والحق الذي لا مرية فيه أن الرسول ﷺ لا يُرى في اليقظة بعد وفاته ﷺ، ومن زعم ذلك، فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع أهل السنة؛ لأن النبي ﷺ قد مات كما قال تعالى (إنك ميت وإنهم ميتون) والموتى إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة، كما قال سبحانه وتعالى: )ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ( [المؤمنون: 15-16].يقول الحافظ السخاوي:”لم يصل إلينا ذلك، أي ادعاءُ وقوعِها عن أحدٍ من الصحابة ولا عمن بعدهم، وقد اشتد حُزنُ فاطمةَ عليه‏ ﷺ حتى ماتت كمدًا بعده بستة أشهر على الصحيح وبيتُها مجاور لضريحه الشريف ولم تُنقل عنها رؤيته”

أما من استشهد على رؤيته يقظةً بحديث “ مَنْ رَآنِي فِي المَنامِ فَسَيَراني فِي اليَقَظَةِ ” فقد غلط، فمعنى الحديث أن من رَآهُ فِي الْمَنَام من أهل عصره عليه السلام وَفقه الله لِلْهِجْرَةِ إِلَيْهِ في المدينة والتشرف بلقائهِ ورؤيتهِ، وفي ذلك يقول ابنُ التِّين: المرادُ مَن آمن به في حياته ولم يَرَه”.وقد أخرج هذا الحديثَ مسلمٌ وغيرهُ بالشك هكذا « مَنْ رَآنِي فِي المَنامِ فسيراني في اليقظة، أو لكأنما رآني في اليقظة » وهذا الشك من الراوي يدل على أن المحفوظ إنما هو لفظ « لكأنما رآني في اليقظة » لتوافقهِ مع الأدلة الأخرى، كما أن جموعاً كبيرة من الأمة في كل قرن رأوه في المنام، ثم لم يذكر واحدٌ منهم أنه رآه في اليقظة، اللهم إلا جماعةٌ معروفة، وخبرُ الصادقِ لا يتخلفُ كما يقول ابن حجر!، فلماذا لم يره غيرهم.

فلا تغتر أيها المحبُ بكلام بعض الكتاب

حين يقول: كانوا يكثرون من الصلاة والتسليم على النبي ﷺ، حتى يصلوا إلى مقام مشاهدته، والاجتماعِ به يقظةً في أي وقت شاءوا..ومن لم يحصل له هذا الاجتماع، فهو ممن لم يكثر من الصلاة والتسليم على رسول الله ﷺ! ثم أخذَ يعدُ هذا الكاتب الذين كانوا يجتمعون برسول الله ﷺ في أي وقت شاءوا… وقال على سبيل المثال: وكان فلان ولا داعي للتسمية يجتمعُ برسول الله ﷺ في أحواله كلِّها، ويقول: ليس لي شيخ إلا رسولُ الله ﷺ وكان فلان يقول: لو احتجبَ عني رسولُ الله ﷺ ساعة، ما عددت نفسي من جملة المؤمنين!!

إلى آخر هذا الهزْل والخرافاتِ والاستخفاف بعقول عوام المسلمين، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وحسبنا الله ونعم الوكيل .وﷺ