باب رُؤْيَا اللَّيْلِ من كتاب التعبير من صحيح البخاري 1

الباب الحادي عشر من كتاب التعبير (باب رُؤْيَا اللَّيْلِ)

وقد ذكر فيه البخاريُّ رؤيين اثنتين للنبي ﷺ رآهما بليلٍ, فقال:

6998 – حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ الْعِجْلِىُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِىُّ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ ﷺ« أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْكَلِمِ ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ الْبَارِحَةَ إِذْ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ حَتَّى وُضِعَتْ فِى يَدِى » . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَنْتُمْ تَنْتَقِلُونَهَا .

6999 – حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنما” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ « أُرَانِى اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فَرَأَيْتُ رَجُلاً آدَمَ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ، لَهُ لِمَّةٌ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ اللِّمَمِ ، قَدْ رَجَّلَهَا تَقْطُرُ مَاءً، مُتَّكِئًا عَلَى رَجُلَيْنِ – أَوْ عَلَى عَوَاتِقِ رَجُلَيْنِ – يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَسَأَلْتُ مَنْ هَذَا فَقِيلَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ؟ ثُمَّ إِذَا أَنَا بِرَجُلٍ جَعْدٍ قَطَطٍ أَعْوَرِ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، فَسَأَلْتُ مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ».

قَوْلُ البخاري: بَابُ رُؤْيَا اللَّيْلِ.

أَي: هَذَا بَابٌ فِي بَيَان الرُّؤْيَا الَّتِي تكون بِاللَّيْلِ هَل تُسَاوِي الرُّؤْيَا الَّتِي تكون بِالنَّهَارِ أَم أنهما يتفاوتان في درجة الصدق وصحة التعبير؟ وكَأَنَّ البخاري يُشِير إِلَى ما أخرجه أَحْمد من حَدِيث أبي سعيد:” أصدقُ الرُّؤْيَا بالأسحار” وهو حديث ضعيف، في سنده ابنُ لهيعة، وَذكر نصر بن يَعْقُوب الدينَوَرِي أَن الرُّؤْيَا أولَ اللَّيْل تُبطىءُ بتأويلها، وَأَن أسرعها تَأْوِيلا رُؤْيا السحر وَلَا سِيمَا عِنْد طُلُوع الْفجْر، وقال جمعٌ من علماء التعبير: رؤيا الليل أقوى من رؤيا النهار، وأصدقُ الساعاتِ كلِّها الرؤيا وقتَ السحر، هذا هو الرأي الأولُ في هذه المسألة.

وَرأَى جَعْفَرُ الصَّادِق رأياً ثانياً، فقال:

أسرعها تَأْوِيلا رُؤْيا القيلولة.

وذهب الْقَيْرَوَانِيُّ إلى رأيٍ ثالثٍ، فقال:

لَا فَرْقَ فِي حُكْمِ الْعِبَارَةِ بَيْنَ رُؤْيَا اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَكَذَا رُؤْيَا النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ.

وهذا هو الصحيح المختار، وهو ما أشارَ إليه عملُ الإمامِ البخاري، في عقدهِ بابَ رؤيا الليل ثم عقدهِ بعده بابَ رؤيا النهار، وفي ذلك يقول المهلب: “معنى هذين البابين أنه لايُخص (أي لا يُفضلُ) نومُ النهار على نوم الليل، ولا نومُ الليل على نومِ النهار بشىء من صحةِ الرؤيا وكذبِها، وأن الرؤيا متى أُريت فحكمُها واحد”

ثم أخرج البخاري بسنده المتصل حديثَ « أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْكَلِمِ ، أي اللفظَ القليلَ الذي يفيد المعاني الكثيرة، وهذا غايةُ البلاغة والفصاحة في لغة العرب، وشبه ذلك اللفظَ القليلَ بمفاتيحَ، فالمرادُ الفصاحةُ والإيجاز، فكان ﷺ يتكلمُ بالقولِ الموجزِ، القليلِ اللفظ، الكثيرِ المعاني، وَثبتَ في رِوَايَة أُخْرَى: بعثت بجوامعِ الْكَلم، وقد قيل: إن المرادَ بجوامعِ الكلمِ القرآنُ الكريم.

وقوله ﷺ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ أي بالفزع يُقذف في قلوب أعدائي وزاد البخاريُّ في رواية أخرى: مسيرةَ شهرٍ، أي ينهزمون من جيوش الإسلام المستمسكةِ بالتوحيد والسنة، العاملةِ بقوله تعالى: (إن تنصروا الله ينصركم) ينهزمون بمجرد الصيت وَيَخَافُونَ مِنْهُم وينقادون لهم بِدُونِ مقاومة كبيرة.

وقَوْله ﷺ: وَبَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ الْبَارِحَةَ، فالبارحة اسْم لليلة الْمَاضِيَة، إِذْ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ ».
وخَزَائِنُ الأَرْضِ ما فتح الله على أمته من كنوزِ الأممِ السابقة، وثرواتِ الأرضِ المتنوعة وقَوْله ﷺ: (حَتَّى وُضِعَتْ فِى يَدِى) كنايةً عن وعْدِ اللهِ بما ذكر من خزائن الأرض وثرواتِها أنه يعطيها أمته ﷺ، وقد كان، ففتح اللهُ لأمةِ محمدٍ مشارقَ الأرض ومغاربَها في وقتٍ قصير، واستفاد المسلمون من ثرواتها وخيراتها وأموالها، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أي توفي وَأَنْتُمْ تَنْتَقِلُونَهَا. أي ينقلُها بعضكم إلى بعض، وفي رواية (تنتفلونها) أي تغتنمونها، وفي روايةٍ ثالثةٍ أخرى هي الصواب (تنتثلونها) أي تستخرجون ما فيها قال النووي يعني ما فُتح على المسلمين من الدنيا.

وقد وقع ما أخبر به ﷺ من فتح الدنيا على الأمة الإسلامية، لكنها ركنت إليها، وتفرقت لأجلها، وضعفت ببعدها عن حقيقةِ دينها، كما أخرج الطبراني في حديثٍ حسنه الشيخُ الألبانيُ عن أبي جحيفة قال: قال رسول الله ﷺ: «ستفتح عليكم الدنيا حتى تنجدوا بيوتكم (أي تزينوها) كما تنجدُ الكعبة، قلنا: فنحن يومئذ خيرٌ أم اليوم؟ قال: بل أنتم اليومَ خير».

وأخرج ابن ماجه بسندٍ حسن عن أبي الدرداء قال: «خرج علينا رسول الله ﷺ ونحن نذكرُ الفقرَ ونتخوفُه، فقال: «آلفقرَ تخافون؟ والذي نفسي بيده لتصبَّن عليكم الدنيا صبا حتى لا يُزيغ قلبَ أحدِكم إزاغةً إلا هيه، وأيم الله، لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلُها ونهارُها سواء».

وكما في حديث صحيحٍ أخرجه البيهقي: «والذي نفسُ محمدٍ بيده ليفتحن عليكم أرضُ فارسٍ والروم، حتى يكثرَ الطعامُ فلا يُذكرُ اسمُ الله عليه».

وروى مسلمٌ عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي ﷺ قال: «إذا فُتحت عليكم فارسُ والروم، أيُّ قومٍ أنتم؟»قال عبدُ الرحمن بنُ عوف: نقولُ كما أمرنا الله، قال رسول الله ﷺ: «أو غيرَ ذلك، تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون».