رُؤْيَا أَهْلِ السُّجُونِ وَالفَسَادِ وَالشِّرْكِ

قال البخاريُ رحمه الله: ”

بَابُ رُؤْيَا أَهْلِ السُّجُونِ وَالفَسَادِ وَالشِّرْكِ

لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المُحْسِنِينَ ۝ قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ۝ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ۝ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ۝ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَنْ لاَ تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ۝ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ۝ وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ۝ وَقَالَ المَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ۝ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ ۝ وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ ۝ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ۝ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأْبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ ۝ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ ۝ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ۝ وَقَالَ المَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} [يوسف: 49] وَادَّكَرَ: افْتَعَلَ مِنْ ذَكَرَ، أُمَّةٍ: قَرْنٍ، وَتُقْرَأُ: أَمَهٍ: نِسْيَانٍ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ” يَعْصِرُونَ: الأَعْنَابَ وَالدُّهْنَ، تُحْصِنُونَ: تَحْرُسُونَ ”

6992 – حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَأَبَا عُبَيْدٍ أَخْبَرَاهُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « لَوْ لَبِثْتُ فِى السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ ، ثُمَّ أَتَانِى الدَّاعِى لأَجَبْتُهُ ».انتهى كلامُ الإمامِ البخاري

قولُ البخاري رحمه الله

:باب رُؤْيَا أَهْلِ السُّجُونِ وَالْفَسَادِ وَالشِّرْكِ أَي:

هَذَا بَابٌ فِي بَيَان رُؤْيا أهل السجون وَرُؤْيا أهل الْفساد يَعْنِي أهلَ الْمعاصِي ورُؤْيا أهلِ الشّرك والكفر، وَأَشَارَ البخاري بِهَذَا إِلَى أَن الرُّؤْيَا الصَّادقةَ مُعْتَبرَةٌ فِي حق هَؤُلَاءِ، وبِأَنَّهَا قد تكون بشرى لأهل السجْن بالخلاص، وكثيرا ما اتصل بي المساجين وفسرت لهم رؤاهم، وكثيرا منها كان يبشر بخروجهم من السجن، كَمَا كَانَت رُؤْيا الذي رأى أنه يعصر خمرا أي عنبا فقد نجا من السجن ورجع يسقي الملكَ الخمرَ كما كان يسقيه من قبلُ، وَفِي صدقِ رُؤْيا الفتيين الذين دخلا مع يوسفَ السجنَ حجَّةٌ على من زعم أَن الْكَافِر لَا يرى رُؤْيا صَادِقَة، فالكفار يرون الرؤى الصادقة ولكن على نُدرةٍ في الغالب، وقد برهنَ البخاريُّ على ذلك بحلمين لصاحبي يوسفَ في السجن، وبرؤيا ثالثةٍ أخرى هي رؤيا مَلكِ مصرَ القديمة. وهذا يجرنا إلى معرفة درجـات الناس بالنسـبة لصدق الـرؤى!
فالأنبياء رؤاهم كلُّها حقٌ وصدق، وتقع كما رَأوها كفلق الصبح، وقد يكون فيها رؤى مرموزةٌ تحتاجُ إلى تأويل.
أما الصالحون فالأغلب على رؤاهم الصدق، والأغلب أن رؤاهم مرموزة، وقد يكون فيها رؤى غيرُ مرموزةٍ لا تحتاج إلى التعبير، فتقع لهم كما رأوها.

وأما غيرُ الأنبياء والصالحين فيقع في رؤياهم الصدقُ والأضغاث، وهؤلاء على ثلاثة أقسام:

  •  فمستوروا الحال، الذين لم يُعرفوا بالفسق أو الفجور، فالغالب استواء الحال في حقهم، فهم بين بين في درجة صدق الرؤيا.
  •  وأما الفسقة الفجار فالغالب على أحلامِهم الأضغاث، ويقلُّ فيها الصدق.
  •  أما الكفار فيندر في رؤاهم الصدق.

ويشير إلى ذلكم قوله ﷺ : ((وَأَصْدَقُهُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُهُمْ حَدِيثًا)) أخرجه البخاري ومسلم.

وفي ذلك يقول الكرمـاني:

“رؤيا المؤمن أصـدقُ من رؤيا الكافرِ، ورؤيا العالمِ أصدقُ من رؤيا الجاهل، ورؤيا المستورِ أصدقُ من رؤيا غيرِ المستور، ورؤيا الشيخِ أصدقُ من رؤيا الشاب..”

إذن فلكل إنسانٍ رؤيا تناسبه،

وأحلامٌ توافقه، ودرجةُ صدقِ رؤياه بحسب صلاحهِ وتقواه، ولذلك فإن كثيرا ما دلت الأحلامُ ذوي الفراسةِ من أهل التعبير على أخلاق الرائين، وأحوالهم، وصفاتِهِم.