رؤيا النبي عليه السلام في المنام

 ليس عندنا من البشر أغلى ولا أحبَ من النبي ﷺ

لا زوجة ولا ولد ولا بنت ولا أب ولا أم بل ولا النفس التي بين جنبينا، كل ذلك ليس أغلى من النبي ﷺ
وكلنا نتشوفُ لرؤيته في المنام، فرؤيتهُ ﷺ في المنام لذةٌ ومتعة وفرحة وسكينة وطمأنينة، هى الشرفُ الأسمى والراحةُ العظمى، وبشارةُ الصدق، فكل أحدٍ منا من شدّة شوقه وفَرْطِ حبه للنبي ﷺ مستعد لأن يبذلَ أهلَه ومالَه مقابل أن ينظر إليه نظرةً واحدة، كما قال r فيما رواه الشيخان” إن من أشد أمتي حبا لي، رجل يتمنى أن يراني بأهله وماله”
فلو أنك ملياردير وعندك من الأهل والأولاد ألف نفس لتمنيت أن يكون كلُ هذا ثمناً لنظرةٍ واحدة إلى صفحة وجهه ﷺ
إن رؤيا النبي ﷺ في المنام، قضية من الأهمية بمكان،

 فعلى بركة الله نبدأ بذكر بعض الأحاديثِ المتعلقة برؤيا النبي ﷺ في المنام

فقد روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ : ((مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَتَمَثلُ بِي، وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ)).

وروى البخاري أيضًا، عن أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي ﷺ يقول: ((مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَتَكَوَّنُنِي)). ومعنى لا يتكونني: أي لا يتكون في صورتي

كما روى مسلم عن جابر قال: قال رسول الله ﷺ: ((مَنْ رَآنِي فِي النَّوْمِ فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّهُ لا يَنْبَغِي لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِي)).

إن رؤية النبى صلى الله عليه وسلم، فى المنام غايةٌ عظيمة،

وشرفٌ ما بعده شرف، ونعمة لا تضاهيها نعمة، وفرحة الدنيا والآخرة ،وإذ قسم النبي ﷺ الرؤى والأحلام في أحاديث عديدة إلى ثلاثة أنواع، رؤيا حق وصدقُ ورؤيا مما يحدث به المرء نفسه، ورؤيا تحزين وتخويف من الشيطان”

فإن رؤية النبي ﷺ في النوم هي رؤيا حق وصدق،

إذ لا يستطيع جان و لا يُسمح لشيطان، أن يتقمصَ صورةً يوهِمُ بها الرائي أنها صورةُ النبي صلى الله عليه و سلم، بل إن الشيطان لا يتمثل بصوته أيضا، لكرامة النبي صلى الله عليه و سلم على الله.

وقد اخُتُلفَ في معنى هذه الجملة النبوية ((مَنْ رَآنِي فِي النَّوْمِ فَقَدْ رَآنِي))
فظن البعض: أنها على ظاهرها، وأن من رآه في النوم رأى حقيقته بلحمه ودمه ﷺ، كمن رآه في اليقظة سواء، وليس مجردَ مثال

وهذا قول باطل،

ويلزم على فهم هذه الأحاديثِ على ظاهرها لوازمُ باطلة، فتخيل أيها المستمع الكريم أن أكثر من مليارٍ ونصف المليار مسلم وهو ما يمثل 20% من سكان العالم., تخيل أنه على أقل تقدير يراه مسلم واحد في كل دقيقة في أنحاء العالم، وإذا جمعنا ذلك فضربنا 60 دقيقة في 24 ساعة فإنه يعني أنه يرى النبيَ ﷺ في اليوم الواحد 1440 مسلما، تخيل أيضا أن خمسة على أقل تقدير يرون النبي ﷺ في وقت واحد، وأحدهم في دبي والثاني في مكة شرفها الله والثالث في الرباط والرابع في لندن والخامس في الباكستان تخيل بناء على هذا القول أن كل واحد من هؤلاء الخمسة يرونه ﷺ على الحقيقة بلحمه ودمه ﷺ في وقت واحد
فمعنى ذلك  أنه ﷺ خارجُ قبره طولَ الوقت، ويلزمُ من ذلك أيضا أن قبره خالٍ من جسده الشريف طول الوقت، وأن الناس يزورون مجرد قبر فارغٍ طول الوقت، ويقفون على قبره يُسلَّمون على غائب عن القبر طول الوقت؛ وأنه يتجول في أنحاء البلاد طول الوقت، إذن فقولُ البعض أن النبي ﷺ يُرى في المنام على الحقيقة بلحمه ودمه كما يُرى في اليقظة باطل باطل لا يقول به عاقل أي عاقل

وقال القاضي عياض وغيره: يحتمل أن يكون معنى الحديث إذا رآه على الصفةِ التي كان عليها في حياته لا على صفة غيرها، وسوف نقف عند هذا القول بعدُ

والصحيح في معنى هذا الحديث حتى لا نطيل أن مقصوده أن رؤيته ﷺ في كل حالة ليست باطلة ولا أضغاثًا، بل هي حقٌ في نفسها، ولو رؤي على غير صورته، فتصورُ تلك الصورةِ ليس من الشيطان، بل هو من قبل الله .
ويؤيده قوله ﷺ: ((فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ)).

أي رأى الحق الذي قُصد إعلام الرائي به، فإن كانت على ظاهرها وإلا سعى الرائي في تأويلها، ولا ينبغي له أن يهمل أمرها؛ لأنَّهَا إما بشرى بخير أو إنذارٌ من شر، وإما لينبه على أمر مهم يقعُ له في دينه أو دنياه .

قال ابن حجر: والذي يظهر لي أن المراد: من رآني في المنام على أي صفة كانت فليستبشر، ويعلم أنه قد رأى الرؤيا الحق التي هي من الله، لا الباطلَ الذي هو الحُلم، فإن الشيطان لا يتمثل بي.

أقول: ولا يظنُ مشتاق لشرف رؤية النبي ﷺ أنه وحده يعانى ذاك الشوق، فنبينا الكريم ﷺ يشتاق إلينا، فقد ثبت أنه خرج على أصحابه يوما فقال ﷺ«وددت أنى لقيت إخوانى. فقال أصحابه: أو ليس نحنُ أخوانَك؟ قال: أنتم أصحابى، ولكن إخوانى الذين آمنوا بى ولم يرونى».