هل يثبت بالرؤيا حكم شرعي؟

 كلنا نتشوفُ لرؤية النبي ﷺ في المنام، فرؤيتهُ في المنام شرفٌ أسمى، وراحةٌ عظمى، وبشارةٌ كبرى،

وقد ذكرنا الأدلةَ الدالة على بطلان ظن البعض:

أن من رآه في النوم رأى حقيقته بأعضائه الشريفة أو أنه ﷺ جاء إلى مكان نومه بلحمه ودمه ﷺ ، مثلما يزورك الرجلُ من الأحياء، فهذا رأي باطل، لما يلزم على فهمه على ظاهره من لوازمَ باطلة، من أهمها أن يكون ﷺ خارجَ قبرهِ طولَ الوقت، فما من دقيقة تمرُ إلا ويراه في منامه مسلمٌ في أنحاء الأرض، بل قد يراه عدةُ أشخاصٍ في وقت واحد،

ومن ثم فقد أكدنا على أن المعنى الصحيحَ ما رجحه الحافظُ ابن حجر في فتح الباري أن المراد: من رآني في المنام على أي صفة كانت فليستبشر،

ويعلم أنه قد رأى الرؤيا الحق التي هي من الله، لا الباطلَ الذي هو من الشيطان، فإنه لا يستطيعُ أن يتشبهَ أو يتمثلَ بي، ويدلُ على ذلك حديثُ البخاري: “من رآني فقد رأى الحق

لكن هل يثبت بالرؤيا حكم شرعي؟

وماذا لو ادعى رجل أنه رأى الرسولَ الكريم صلى الله عليه وسلم وأمره بكذا وكذا من العبادات التي لم تأتِ في نصوص الوحيين الشريفين القرآن والسنة؟

ماذا لو قال لك إنسان رأيتُ النبي ﷺ في المنام وأمرني أن آخذ منك ألف درهم!

أقول: لقد اكتملَ دين الإسلام وتم واستقرَ بكل أصوله وفروعه الاعتقادية والتشريعية، فلا تبديلَ فيها ولا تحويل، وإحداثُ شيء فيه أمر مردود؛ لأنه إنكارٌ لما قرره الله من تمامه وكماله،قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا)

ومِنْ ثَمَّ فقد قال السادة العلماء: إن من رأى النبيَ ﷺ في منامه، فأمره بحكم يخالفُ حكمَ الشرع فإنه لا يكون مشروعًا في حَقِّه، ولا في حق غيره.

فالرؤيا المنامية – ولو كانت صحيحة ـــ فهي لا تحرم حلالاً، ولا تحل حرامًا، ولا يترتب عليها حكمٌ شرعي

وهكذا قال الفقهاء: لو اختلف المسلمون في آخر يوم من شعبان هل غدًا أول رمضانَ أم لا، ثم رأى رجل النبي ﷺ في المنام ، وسمعه يقول له: ((إن غدًا أولُ يوم من رمضان، فصمه وأمر الناسَ بصيامه))، فإنه لا يصحُ صيامه؛ لأن النبي ﷺ أفتى الأمة يقظة فقال “صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته”

فالرؤى التي في المنام، لا يترتبُ عليها شيء من الأحكام مطلقا،

هذا إذا كانت الرؤيا للبشر العاديين من غير الأنبياء، وأما الرؤيا التي يراها الأنبياء، فهي وحي، تترتب عليها الأحكامُ الشرعية بلا خلاف.

ومن الأمثلة التي ضربها الفقهاءُ

لو أن رجلا رأى النبي ﷺ في المنام فقال له: إن امرأتك طالق ثلاثًا، وهذا الرجل يجزم بأنه لم يطلقها، لم تحرم عليه، وكذلك لو قال له عن حرام: إنه حلال، أو عيَّن حكمًا من الشريعة، أو شرعَ له في المنام صلاة بعينها أو ذكرا بعينه قدَّمنا ما ثبت في السنة على ما رُئي في النوم.

وهذه المسألة جد مهمة، والحق الواجب اتباعه، عرضُ كلِ أمرٍ على الشرع الذي قد اكتمل واستقر، فما وافقه فالهدى والرشاد، وما خالفه فالغي والضلال، وقد حكى النووي إجماعَ العلماء على أنه لا يتقرر بالرؤيا حكمٌ شرعي.

وبذلك يتبين زيفُ كثرة من الإدعاءات كالرؤيا المزعومة المنسوبة إلى الشيخ أحمد خادم الحرم النبوي الشريف، والتي زعم من كتبها ووزعها في الآفاق أنه رأى النبي ﷺ في المنام، وقال له: أنا خجلان من أفعال الناس القبيحة، ولم أقدر أن أقابل ربي ولا الملائكة .. ثم حمله على أن يُبلغَ الناس وصية معينة، زعمَ أنَّهَا منقولةٌ بقلم القدر من اللوح المحفوظ، وأن من صدّق بِهَا نجا من عذاب النار وحصلت له كلُ الخيرات، ومن كذب بِهَا كفر ولحقته المصائبُ والبلايا!!!