التأصيل الشرعي للإنتماء الوطني

يترعرع الشباب المنتمون للجماعات والتنظيمات الإسلامية على الإنتماء لها دون غيرها،

والولاء التام لقادتها ومرشديها، غير مبالين بالإنتماء للوطن، بل منكرين على المنتمين له أو مستخفين، وهذا خلاف السياسة الشرعية وما أوصى به نبي الأمة عليه الصلاة والسلام حين أخبر عن ظهور الفرق والجماعات بدعواتها المتناقضة ودعاتها المختلفين،

وذلك حين قال فيما أخرجه الشيخان البخاري ومسلم من حديث حذيفة: “دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها” فسأله حذيفة: فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: “تلزم جماعة المسلمين وإمامهم”  وهو بالمصطلح المعاصر الوطن أوالمجتمع المحيط برئيس الدولة أو كما يقول الطبري:”الصواب أن المراد من الخبر لزوم الجماعة الذين في طاعة من اجتمعوا على تأميره فمن نكث بيعته خرج عن الجماعة” بيان ذلك أن الوطن أو الدولة في تعريف أهل السياسة: “جماعة بشرية تقيم بصفة مستمرة على أرض معينة، تخضع لحكومة منظمة، تدير شؤونها الداخلية والخارجية” فقوله عليه الصلاة والسلام: ” تلزم جماعة المسلمين وإمامهم” يعني أنه حال قيام الدولة ووجود الوطن بأركانه الماضية،فإنه يجب على المسلم أن يلزم المجتمع المسلم وأن يكون إنتماؤه للوطن وولاؤه للرئيس، نعم إن الأصل الانتماء لخليفة واحد يقود الأمة كلها في وطن واحد، لكن ذلك قد تعذر من أزمنة بعيدة لأسباب كثيرة، ففي الفترة  الواقعة مابين(سنة 184- 288 هـ)  كانت الأمة الإسلامية مكونة من 6 دول، وبلغ (سنة 803 هـ) مجموع دولها 22 دولة، فلما تعذر جمع الأمة في كيان واحد، وتمزقت لدول كثيرة وأوطان متعددة، وأصبح لكل دولة رئيس أو ملك أو أمير، أفتى المحققون  من فقهاء السياسة الشرعية وعلماء النظام السياسي الإسلامي: أن لكل رئيس دولة ما للخليفة العام من حقوق وواجبات، أو كما يقول الشوكاني:” وتجب الطاعة لكل واحد منهم بعد البيعة على أهل القطر الذي ينفذ فيه أوامره ونواهيه ” وتأسيساً عليه، فإنه يجب على أهل كل بلد البيعة بالسمع والطاعة لرئيس دولتهم ولزوم جماعتهم أعني المجتمع المسلم، فهذه جماعة المسلمين التي أمر الشرع بلزومها، وأنه لا يجوز الخروج عليها بتكوين جماعة غيرها أو تنظيم آخر، لأن ذلك يهدد وحدة الوطن وترابط المجتمع، ويضعف تماسكه، حتى وإن وقع أبناء هذا المجتمع في الآثام، حتى وإن حصل ظلم من الحكومة المنظمة لأموره،

يدل على ذلك حديث ابن عباس في صحيح البخاري «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»، فأمر بالصبر على ظلم الحكومة وحذر من مفارقة الجماعة والخروج على المجتمع ولو بأدنى شئ يهدد وحدته، ومن ثم فإن مصطلح الإنتماء للوطن هو معنى المصطلح الشرعي: ” لزوم جماعة المسلمين” الذي رفع شعاره (أهلُ السنة)، وعطف (الجماعة) تأكيداً على وحدة الجماعة والنأي عن الفرقة والفتنة، ومن ثم فإن الإنتماء للوطن إنتماء شرعي، والإنتماء للجماعات إنتماء غير شرعي، ومن ثم فعلى المسلم أن يعمل على ترابط مواطنيه (جماعة المسلمين في بلده) ويسعى في تماسكهم وتعميق أواصر التعاون بينهم، فإن التآلف والتآزر بينهم أمر في غاية الأهمية للنهوض بأعباء الوطن وإزدهاره وتقدمه، وبناء منجزاته وحضارته، وتحقيق المصلحة العامة لابنائه، ومواجهة الأزمات المختلفة عملا بقوله تعالى:( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) كما عليه أنْ يَحْذَرَ من التعاون مع المنظمات الداخلية والخارجية التي تهدد أمن بلده واستقراره، وأن يُحَذِّر مجتمعه من  أخطار الفرقة والانقسام ومفاسد الوقوع في مزالق الخروج على الأنظمة والقوانين والحكام والمسؤولين، تطبيقا للآية الكريمة: (ولَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) كما يجب على أبناء كل وطن إسلامي أن يوالوا إخوانهم المؤمنين في كل أوطان الإسلام الأخرى لتكون كلمة الله هي العليا، تطبيقا لقوله تعالى (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)( وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).