تلاعب أصحاب الفكر التكفيري بالنص العلمي والديني

    استفاض عن علماء  السنة سلفًا وخلفًا في كتب التفسير والحديث والفقه والعقيدة وغيرها التفصيل لا إطلاق القول بتكفير الحكام، ورأوا أنه يعصم من فتنة تكفير الحكام، وما يترتب عليها من خروج على الأنظمة والحكومات بالثورات والانقلابات، وما يعقبه من فتن ودماء!
    وقد صدرت عن لجنة البحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية برئاسة شيخ الأمة عبد العزيز بن عبد الله بن باز فتوى رقم: (5226)، وفتوى رقم: (5741) ، وفتاوى أخرى تؤكد ما جاء في كتابنا من حق أبلج من فلق الصبح.
     فجاء في فتوى رقم: (5741) على سبيل المثال: “إن استحل ذلك واعتقده جائزًا فهو كفر أكبر، وظلم أكبر، وفسق أكبر يخرج من الملة، أما إن فعل ذلك من أجل الرشوة أو مقصد آخر، وهو يعتقد تحريم ذلك فإنه آثم…”.
   ولقد اطلعتُ على كتب عدة في هذه القضية -قضية تكفير الحكام بالقوانين الوضعية- وبعد دراسة هذه الكتب دراسة متأنية، ومقارنة ما أوردوه من نصوص بالمصادر التي نقلوا منها وأحالوا عليها، اتضح أنَّهَا تحتوي على إخلال بالأمانة العلمية فيما نقلوه عن علماء أهل السنة والجماعة، وتحريف للأدلة عن دلالاتِهَا التي تقتضيها اللغة العربية ومقاصد الشريعة، ومن ذلك ما يلي:[1
  
تحريف معاني الأدلة الشرعية
      1 .ومن أمثلة ذلك تحريفهم معنى الآية الكريمة: )وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ(. وأخذهم بظاهرها، وانتزاعهم منها الحكم بكفر من حكم بالقوانين الوضعية من غير جحود للشريعة الإسلامية، وقد اتفق أهل السنة على تكفير من جحد الحكم بالشريعة دون من لَمْ يجحد، ونسب العلماء القول بظاهر هذه الآية لفرق الخوارج.
      2. ومن أمثلة ذلك أيضًا تحريفهم معنى قوله تعالى: )فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ(.
فقد ذكر أهل السنة أن معنى قوله: )لاَ يُؤْمِنُونَ( أي(لا يستكملون الإيمان)، أما الخوارج فأخذوا بظاهر الآية المباركة، وقالوا بنفي أصل الإيْمان؛ وسبق قول شيخ الإسلام بن تيمية -رحمه الله- في “منهاج السنة” (5/131).
“وهذه الآية مما يحتج بِهَا الخوارج على تكفير ولاة الأمر الذين لا يحكمون بما أنزل الله”. يعني: من غير جحود.
     وفهم هؤلاء المكفرين  يأباه سبب النُّزُول أولاً، وليس بجار على أصول أهل السنة في فهم أمثال هذا النص القرآني ثانيًا، فضلاً عن أني لَمْ أجد من المفسرين من تجاسر على القول بِهَذَا الحكم العام!.
أما أن سبب نزول هذه الآية يأبى هذا الفهم ويدفعه، فقد روى الشيخان: عن عبد الله بن الزبير: أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبير عند رسول الله S في شراج الحرة([2])التي يسقون بِهَا  النخل، فقال الأنصاري: سرح الماء يمر فأبى عليه (الزبير). فاختصما عند رسول الله S، فقال رسول الله S للزبير: اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك. فغضب الأنصاري، ثم قال: يا رسول الله، آن كان ابن عمتك؟! فتلون وجه رسول الله S، ثم قال للزبير: اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر([3]). فقال الزبير: والله إني لا أحسب هذه الآية ما نزلت إلا في ذلك: )فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا(([4]). الآية”.
يقول القرطبي: “وإذا كان سبب نزول هذه الآية ما ذكرناه من الحديث ففقهها أنه u سلك مع الزبير وخصمه مسلك الصلح، فقال: ((اسق يا زبير)). لقربه من الماء ((ثم ارسل الماء إلى جارك)). أي: تساهل في حقك، ولا تستوفه، وعجل في إرسال الماء إلى جارك، فحضه على المسامحة والتيسير، فلما سمع الأنصاري هذا لَمْ يرض بذلك وغضب؛ لأنه كان يريد ألا يمسك الماء أصلاً، وعند ذلك نطق بالكلمة الجائرة المهلكة الفاقرة، فقال: آن كان ابن عمتك؟ بمد همزة (أن) المفتوحة على جهة الإنكار، أي: أتحكم له عليّ لأجل أنه قرابتك؟ فعند ذلك تلون وجه النبي S غضبًا عليه، وحكم للزبير باستيفاء حقه من غير مسامحة له”([5]).
والشاهد أن النبي S لَمْ يحكم على الأنصاري بالردة، بل عفا عنه وأقال عثرته، ومعلوم أن كل من اتَّهَم رسول الله S في الحكم أو سبَّه فهو كافر مرتد يجب قتله.
ولذلك قال ابن التين: “إن كان -يعني: هذا الأنصاري- بدريًّا فمعنى قوله تعالى: )لاَ يُؤْمِنُونَ(. لا يستكملون الإيمان، والله أعلم”([6]).
قلت: “هو بدري -كما في بعض روايات الحديث- وما قاله ابن التين هو الذي ينبغي المصير إليه؛ لأنه جار على أصول أهل السنة في فهم أمثاله من النصوص، فأي فرق بين قوله تعالى: )فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ…(. وبين قوله S: ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، الذي لا يأمن جاره بوائقه))([7]). أو قوله: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه؟))([8]).
لا فرق ألبتة بين هذه النصوص، فالمراد منها جميعًا نفي كمال الإيْمان الواجب كما قال أهل السنة، وأما الخوارج فهم الذين أخذوا بظاهرها، وقالوا بنفي أصل الإيمان، وحكموا على أصحاب الكبائر وولاة الأمر الذين لا يحكمون بما أنزل الله بالخروج من الإسلام.
وها هي تفاسير أهل السنة للآية الكريمة:
1.   يقول أبو المظفر السمعاني (ت 489هـ): “ومعنى الآية: لا يكمل إيمانِهم حتى يرضوا بحكمك، وينقادوا لك”([9]).
2. يقول شيخ الإسلام بن تيمية:“كل ما نفاه الله ورسوله من مسمى أسماء الأمور الواجبة كاسم الإيمان والإسلام والدين والصلاة والصيام والطهارة والحج وغير ذلك فإنما يكون لترك واجبٍ من ذلك المسمى ومن هذا قوله تعالى: (فلا وربِّك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) فلما نفى الإيمان حتى توجد هذه الغاية؛ دل على أن هذه الغاية فرض على الناس، فمن تركها كان من أهل الوعيد لم يكن قد أتى بالإيمان الواجب الذي وُعِدَ أهله بدخول الجنة بلا عذاب[10]ا.هـ.
ويقول أيضا -رحمه الله-:“فمن لَمْ يلتزم تحكيم الله ورسوله فيما شجر بينهم فقد أقسم الله بنفسه أنه لا يؤمن، وأما من كان ملتزمًا([11])لحكم الله ورسوله باطنًا وظاهرًا، لكن عصى واتبع هواه، فهذا بِمَنْزلة أمثاله من العصاة، وهذه الآية مما يحتج بِهَا الخوارج على تكفير ولاة الأمر الذين لا يحكمون بما أنزل الله، ثم يزعمون أن اعتقادهم هو حكم الله([12]).
2.   ويقول الشيخ السعدي: “فمن استكمل هذه المراتب -يعني: التحكيم وانتفاء الحرج والتسليم- فقد استكمل مراتب الدين كلها، ومن ترك هذا التحكيم المذكور غير ملتزم له فهو كافر، ومن تركه مع التزامه فله حكم أمثاله من العاصين”([13]).
وعليه فمن لَمْ يحكم الرسول S جحودًا برسالته، أو اتِّهَامًا لحكومته، خرج من الملة الإسلامية، والدائرة الإيمانية بالكلية، ومن لَمْ يحكم الرسول S هوى ومعصية وشهوة فهو ناقص الإيمان، لا يجوز وصمه بالكفران.
ثالثًا: قوله تعالى: )اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ بْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ( [التوبة:31].
يقول سيد قطب -عفا الله عنه-: “حَكَمَ الله سبحانه عليهم بالشرك في هذه الآية، وبالكفر في آية تالية في السياق لمجرد أنَّهُم تلقوا منهم الشرائع فأطاعوها واتبعوها.. فهذا وحده -دون الاعتقاد والشعائر- يكفي لاعتبار من يفعله مشركًا بالله، الشرك الذي يخرجه من عداد المؤمنين، ويدخله في عداد الكافرين.
فإذا اتبع الناس شريعة غير شريعة الله صح فيهم ما صح في اليهود والنصارى من أنَّهُم مشركون لا يؤمنون بالله، مهما كانت دعواهم في الإيمان؛ لأن هذا الوصف يلحقهم بمجرد اتباعهم لتشريع العباد لهم من دون الله بغير إنكار منهم يثبت منه أنَّهُم لا يتبعون إلا عن إكراه واقع بِهِم، لا طاقة لهم بدفعه، وأنَّهُم لا يقرون هذا الافتئات على الله”([14]).
فهذا الإطلاق من سيد وعدم استثنائه إلا من أكره يصادم التفسير النبوي لهذه الآية وهو فصل الخطاب بلا ريب، فقد روى الترمذي وغيره: عن عدي بن حاتم، قال: ((أتيت النبي S وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: يا عدي اطرح عنك هذا الوثن. وسمعته يقرأ في سورة براءة: )اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ(. قال: أما إنَّهُم لَمْ يكونوا يعبدونَهُم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئًا استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئًا حرموه))([15]).
فقد بين النبي S سبب إشراك هؤلاء بالرب U ببيان أبلج، لا تخالطه شبهة، ولا تلابسه غمة، بأنَّهُم اعتقدوا تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله مما يستلزم الجحود والتكذيب فقال S: ((كانوا إذا أحلوا لهم شيئًا استحلوه…)). فليس الأمر كما قال سيد قطب: إنه سبحانه حكم عليهم بالشرك لمجرد أنَّهُم تلقوا منهم الشرائع فأطاعوها واتبعوها!!!
وهذا واضح أيضًا فيما رُوي عن حذيفة t فقد قيل له: أرأيت قـول الله: )اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ(. قال: “أما إنَّهُم لَمْ يكونوا يصومون لهم، ولا يصلون لهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئًا استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئًا أحله الله لهم حرموه، فتلك كانت ربوبيتهم”([16]).
أما إن اعتقدت الرعية تحليل ما أحل الله، وتحريم ما حرم الله، وأطاعوا رؤساءهم فيما ذهبوا إليه من تحريم الحلال، وتحليل الحرام هوى ومعصية فليسوا بكافرين ألبتة، ولو لَمْ يكونوا مكرهين.
يقول شيخ الإسلام: “وهؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانَهُم أربابًا حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله يكونون على وجهين:
أحدهما: أن يعلموا أنَّهُم بدلوا دين الله فيتبعوهم على التبديل، فيعتقدوا تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله اتباعًا لرؤسائهم، مع علمهم أنَّهم خالفوا دين الرسل، فهذا كفر، وقد جعله الله ورسوله شركًا، وإن لَمْ يكونوا يصلون لهم، ويسجدون لهم، فكان من اتبع غيره في خلاف الدين مع علمه أنه خلاف الدين، واعتقد ما قاله ذلك دون ما قاله الله ورسوله مشركًا مثل هؤلاء.
والثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانُهُم بتحليل الحلال وتحريم الحرام ثابتًا([17])، لكنهم أطاعوهم في معصية الله، كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنَّهَا معاصٍ، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب([18]).
ذلك التفصيل الدقيق هو حكم الله سبحانه على المحكومين الذين يتبعون الولاة في تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله، ولا يتحاكمون إلى ما أنزل الله على رسولهS.
أما الحكام المبدلون فلا تعلق للآية بِهِم من قريب أو من بعيد، وقد فصل أمرهم فيما سبق.
بل قد يكفر المحكمون، ويخرجون من الملة بالكلية دون الولاة الحاكمين في بعض الصور البعيدة الوقوع، وذلك إذا كان الحاكم مجتهدًا ملتزمًا بالشرع المطهر، وخفي عليه الحق، فحلل حرامًا، أو حرم حلالاً، فهذا لا يكفر، ولا يؤاخذ على غلطه، فإذا تابعه المحكومون على هذا الغلط، واعتقدوا تحليل ما حرمه الله، أو تحريم ما أحله الله من بعد ما تبين لهم الحق، وأقيمت عليهم الحجة الرسالية فهم كفار.
يقول شيخ الإسلام: “ثم ذلك المحرم للحلال والمحلل للحرام إن كان مجتهدًا قصده اتباع الرسول S، لكن خفي عليه الحق في نفس الأمر، وقد اتقى الله ما استطاع، فهذا لا يؤاخذه الله بخطئه، بل يثيبه على اجتهاده الذي أطاع به ربه، ولكن من علم أن هذا خطأ فيما جاء به الرسول S، ثم اتبعه على خطئه -يعني معتقدًا له- وعدل عن قول الرسول، فهذا له نصيب من الشرك الذي ذمه الله، لاسيما إن اتبع في ذلك هواه، ونصره باللسان واليد مع علمه بأنه مخالف للرسول، فهذا شرك يستحق صاحبه العقوبة عليه”([19]).
 
رابعًا: قوله تعالى: )أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِن الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ([الشورى:21].
وهذه الآية تدل على أن التشريع حق خالص لله وحده لا شريك له، ومن نازعه في شيء منه فهو مشرك.([20])كذا زعم أحدهم مطلقًا الحكم بالشرك على جميع من حكم بغير ما أنزل الله من غير ما تفصيل أو تفريق.
وقال آخر: “والصورة التي نتحدث عنها صورة من الشرك الأكبر بلا نزاع، لما تمهد من أن التشريع المطلق حق خالص لله -جل وعلا- وحده، من نازعه في شيء منه فهو مشرك؛ لقوله تعالى: )أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِن الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ(([21]).
نعم إن التشريع حق خالص لله وحده كما أوضحناه ، أما إطلاق الحكم بالشرك -فلا وربك- لا يستقيم على أصول أهل السنة، كما أوضحناه مرارًا، وما قيل من تفصيل في الآية الماضية: )اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ(. وقيل في الآية الأولى: )وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُم الْكَافِرُونَ(. يقال نفسه هاهنا أيضًا.
وقد استشهد بِهَذه الآية الكريمة بعض مصنفي كتب التحذير من البدع والمبتدعة، كما استشهد بِهَا أولئك تمامًا، بيد أن الذين صنفوا في ذم المبتدعة راسخون في الفهم والعلم، فلم يطلقوا القول بتكفير جميع المبتدعة، بل فصلوا القول.
وذكر المفسرون في هذه الآية ثلاثة من وجوه التفسير لا تساعد المعاصرين على ما ذهبوا إليه، ولا علاقة لهما بالشرك بالله ألبتة!.
الأول: أم لهؤلاء الكفار المعاصرين للنبي S شركاء في الغواية والضلالة من آبائهم وأجدادهم الذين مضوا (شرعوا لهم). أي: شرع الأسلاف من الأباء أو الأجداد لهؤلاء الكفار المعاصرين (ما لَمْ يأذن به الله).
الثاني: أم لهؤلاء الكفار أصنامًا شرعوا لها. أي: شرع هؤلاء الكفار لهذه الأصنام من العقائد والأحكام (ما لَمْ يأذن به الله)([22]).
الثالث: أم لهؤلاء الكفار أصنامًا وأوثانًا شرعت لهم هذه المعتقدات والأحكام الشركية التي لَمْ يأذن بِهَا الله، ولَمْ يأمر بِهَا، وإذا كانت هذه الأصنام لا تسمع، ولا تبصر، ولا يمكن أن تشرع لهم، والله U ما شرع لهم هذه المعتقدات والأحكام الشركية، فمن أين لهم هذا الشرك؟! فالمقصود التعجيز، وإقامة الحجة عليهم ببطلان ما يذهبون إليه[23].
وقد اختار القول الأول شيخ المفسرين ابن جرير الطبري فقال: “يقول -تعالى ذكره-: أم لهؤلاء المشركين بالله شركاء في شركهم وضلالتهم: )شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ(. يقول: ابتدعوا لهم من الدين ما لَمْ يبح الله لهم ابتداعه”([24]).
واختاره ابن كثير أيضًا فهاهو يقول: “أي: هم لا يتبعون ما شرع الله لك من الدين القويم، بل يتبعون ما شرع لهم شياطينهم من الجن والإنس من تحريم ما حرموا عليهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي، وتحليل أكل الميتة والدم والقمار، إلى نحو ذلك من الضلالات والجهالة الباطلة التي كانوا قد اخترعوها في جاهليتهم من التحليل والتحريم والعبادات الباطلة والأموال الفاسدة، وقد ثبت في الصحيح: أن رسول الله S قال: ((رأيت عمرو بن لحي بن قمعة يجر قصبه في النار)). لأنه أول من سيب السوائب، وكان هذا الرجل أحد ملوك خزاعة، وهو أول من فعل هذه الأشياء، وهو الذي حمل قريشًا على عبادة الأصنام، لعنه الله وقبحه”([25]).
فالشركاء على هذا التفسير المختار ليس مقصودًا به الإشراك بالله في عبادته وألوهيته، فإن هذا اللفظ “الإشراك” جاء في القرآن الكريم على معنيين:
أحدهما: أن يأتي بمعنى الاشتراك في شيء من الأشياء المادية أو المعنوية، ومنه قوله تعالى:)فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ( [النساء:12] وقوله: )وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ( [الأنعام:139]. وقوله: )ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ( [الزمر:29]. وقوله: )وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ( [الأنعام:137].
يقول ابن عطية في تفسير هذه الآية الأخيرة: “والشركاء هاهنا الشياطين الآمرون بذلك المزينون له، والحاملون عليه أيضًا من بني آدم الناقلين له عصرًا بعد عصر؛ إذ كلهم مشتركون في قبح هذا الفعل وتباعته في الآخرة”([26]).
ثانيهما: أن يأتي بمعنى المشاركة في الألوهية والعبادة، ومنه قوله: )وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمْ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ( [الأنعام:94]. وقوله: )وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ( [الأنعام:100]. وقوله: )وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ( [يونس:66]. وقوله: )أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ( [الرعد:16]. وقوله: )قُلْ أَرُونِي الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلاَّ( [سبأ:27].
فكلا المعنيين محتمل في هذه الآية الكريمة: )أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِن الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ(. وإن كان المعنى الأول أكثر احتمالاً، إلا أن كليهما لا يفيد إشراك المشرعين ألبتة، كما هو ظاهر جدًّا.
والآية الكريمة على القول الثالث أيضًا لا تفيد ما يذهبون إليه من أن المشرعين مشركون برب العالمين، فقد سماهم الله “شركاء” ولَمْ يسمهم مشركين، وبينهما فرق لا يخفى، والذين اتخذوهم “شركاء” هم الأتباع الذين أطاعوهم، ولذلك أضاف “الشركاء” إليهم فقال سبحانه: )أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ( كأولئك الذين:
)وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ(. فهم الذين ألحقوا هؤلاء المشرعين شركاء بالله بطاعتهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال: )قُلْ أَرُونِي الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلاَّ(.
 ومن ثم فالآية الكريمة تتعلق بالمحكومين ووصفهم بالشرك كقوله: )وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ(. ولا تعلق لها ألبتة بوصف المشرعين بالشرك، فهي تمامًا كقـوله تعالى: )اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ(.
فالمشرع حين يشرع ما لَمْ يأذن به الله من الأحكام والقوانين، فهو كافر كفرًا أكبر مخرجًا من الملة إن فعل ذلك استحلالاً أو جحودًا لما شرع الله، أو كافر كفرًا أصغر غير مخرج من الملة إن فعل ذلك هوى ومعصية وشهوة، أما الذين يطيعونه فهم مشركون بالله العظيم إن اعتقدوا ما شرعه من تحليل الحرام وتحريم الحلال، أما إذا لَمْ يعتقدوا ذلك، وثبتوا على اعتقادهم الصحيح بتحليل ما أحله الله، وتحريم ما حرمه فليسوا بمشركين، كما سبق ذلك بالتفصيل.
والمقصود أن أبين خطأ الذي ينتزع من هذه الآية العظيمة خاصة حكم الشرك على المشرع ما لَمْ يأذن به الله، وأن الآية تتعلق بالمحكومين ووصفهم بالشرك وذلك بناء على القول الثالث فقط، أما القول الأول والثاني فلا والله، وأما إن انتزع هؤلاء من آية أخرى شرك أولئك، فهذا ليس محل بحثنا الآن.
خامسًا: قوله تعالى: )وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ( [الأنعام: 121].
يقول أحدهم: “وإن كانت متابعة أحكام المشرعين غير ما شرعه الله تعتبر شركًا، وقد حكم الله على هؤلاء الأتباع بالشرك، كما قال سبحانه: )وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ( فكيف بحال المشرعين”([27])؟!.
ولا شك أنه مقلد لتفسير سيد قطب لهذه الآية: “إن من أطاع بشرًا في شريعة من عند نفسه ولو في جزئية صغيرة، فإنَّما هو مشرك، وإن كان في الأصل مسلمًا، ثم فعلها فإنما خرج بِهَا من الإسلام إلى الشرك أيضًا.. مهما بقي بعد ذلك يقول: أشهد أن لا إله إلا الله بلسانه، بينما هو يتلقى من غير الله، ويطيع غير الله”([28]).
والحق أن مثل هذا التفسير الحروري الخارجي كان سببًا في انحراف كثير من الشباب، وتجاسرهم على تكفير المجتمعات المسلمة، ألا فليحذر الذين يقرءون في الظلال من مثل هذه الانحرافات الخطيرة المدمرة.
يقول ابن العربي: “إنما يكون المؤمن بطاعة المشرك مشركًا إذا أطاعه في اعتقاده الذي هو محل الكفر والإيمان، فإذا أطاعه في الفعل وعقده سليم مستمر على التوحيد والتصديق فهو عاصٍ، فافهموا ذلك في كل موضع”([29]).
ويقول القرطبي: “دلت الآية على أن من استحل شيئًا مما حرم الله تعالى صار به مشركًا، وقد حرم الله سبحانه الميتة نصًّا، فإذا قبل تحليلها من غيره فقد أشرك”([30]). ثم استشهد بكلام ابن العربي.
وقال الزجاج: “في قوله تعالى: )وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ( دليل على أن كل من أحل شيئًا مما حرم الله تعالى، أو حرم شيئًا مما أحل الله تعالى فهو مشرك، وإنما سمي مشركًا؛ لأنه أثبت حاكمًا سوى الله تعالى، وهذا هو الشرك”([31]).
هذه أبرز الآيات التي انتزع منها أصحاب الفكر التكفيري تكفير الحكام بإطلاق!
 التصرف في بعض النصوص المنقولة عن أهل العلم حذفًا أو تغييرًا
على وجه يفهم منه غير المراد أصلاً
فقد سبق -على سبيل المثال- ما جاء عن ابن عباس، وعكرمة، وابن تيمية، وتلميذه ابن قيم الجوزية، وابن أبي العز “شارح الطحاوية”، وابن الجوزي، والشنقيطي، والسعدي، وابن باز، وغيرهم من التفصيل الذي سبق مرارًا، فألفيت بعضهم ينقل شطر كلامهم القاضي بتكفير الجاحد والمستحل، ويعرض عن شطره الآخر القاضي بعدم تكفير المعتقد لوجوب الحكم بما أنزل الله التاركه هوى ومعصية!.
فقد مضى قول ابن عباس: “من جحد ما أنزل الله فقد كفر، ومن أقر به ولَمْ يحكم به فهو ظالِم فاسق”. فنقله أحدهم هكذا: “من جحد ما أنزل الله فقد كفر”. ثم قال: “وهو اختيار ابن جرير في تفسيره”([32]).
وقد أوهم بِهَذا المقال أن عدم التفصيل هو مذهب ابن عباس، واختيار ابن جرير، وقد سبق بيان أن ابن جرير لا يكفر من الحكام إلا الجاحدين لحكم الله([33]).
وحسب القارئ الكريم أن يقارن بين ما نقلته من كلام هؤلاء الأعلام السابق ذكرهم وبين ما نقلوه .
وربما نقل أحدهم نصًّا من نصوص هؤلاء العلماء، ثم قام بحذف بعض كلماته التي لو أثبتها لهدم ما بناه وأعلاه، ثم استعاض عن ذلك المحذوف ببعض النقاط:
وهاك نصًّا لشيخ الإسلام بن تيمية -رحمه الله- نقله أحدهم وقد حذف منه هذه الكلمة الفاصلة “وإلا كانوا جهالاً” ووضع بدلاً منها بعض النقاط.
“فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل الله، فلم يلتزموا ذلك، بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار (…)، والحكم بما أنزل الله واجب على النبي S وكل من اتبعه، ومن لَمْ يلتزم حكم الله ورسوله فهو كافر([34]).
والحق أن هذا النص من الأهمية بمكان حيث إن شيخ الإسلام قد فصل الحكم الشرعي في حكام مجتمعات زمانه، وهي تشبه إلى حد كبير المجتمعات القائمة اليوم، ولم يكفر إلا من استحل الحكم بخلاف ما أنزل الله، وشيخ الإسلام هو شيخ الإسلام، جار على التفصيل الذي فصلناه، فماذا يريد هؤلاء؟!.
وهاك النص كاملاً غير منقوص:
“ولا ريب أن من لَمْ يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر، فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلاً من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر، فإنه ما من أمة إلا وهي تأمر بالحكم بالعدل، وقد يكون العدل في دينها ما رآه أكابرهم، بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتِهِم التي لَمْ يُنْزِلها الله I، كسوالف البادية، وكأوامر المطاعين فيهم، ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة، وهذا هو الكفر، فإن كثيرًا من الناس أسلموا، ولكن مع هذا لا يحكمون إلا بالعادات الجارية لهم التي يأمر بِهَا المطاعون، فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل الله، فلم يلتزموا ذلك، بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار، وإلا كانوا جهالاً”([35]).
ومن ذلك أن مؤلف كتاب الرد على العنبري قال: “ذكر الشيخ الشنقيطي -رحمه الله-: أن الإشراك في العبادة والإشراك في الحكم لهما نفس الحكم، ولا فرق بينهما، حيث قال في أضوائه: والإشراك بالله في حكمه، والإشراك به في عبادته كلها بمعنى واحد، لا فرق بينهما ألبتة، فالذي يتبع نظامًا غير نظام الله، وتشريعًا غير تشريع الله، كالذي يعبد الصنم ويسجد للوثن، ولا فرق بينهما ألبتة بوجه من الوجوه، فهما واحد، وكلاهما مشرك بالله”. وعزاه في الحاشية إلى أضواء البيان (7/162) ([36]) .
وقد رجعت إلى الموضع الذي عزا إليه في أضواء البيان؛ ذلك أني لا أثق في كل متعجل في التكفير مسارع إليه، فألفيت الآتي:
“فالإشراك بالله في حكمه كالإشراك به في عبادته، قال في حكمه:
)وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا(. وفي قراءة ابن عامر من السبعة: )ولا تشرك في حكمه أحدًا(. بصيغة النهي، وقال في الإشراك به في عبادته: )فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا(. فالأمران سواء.
ثم قيد الشيخ ما أطلقه، فقال بعد ذلك مباشرة: “وبذلك تعلم أن الحلال هو ما أحله الله، والحرام هو ما حرمه الله، والدين هو ما شرعه الله، فكل تشريع من غيره باطل، والعمل به -بدل تشريع الله عند من يعتقد أنه مثله أو خير منه- كفر بواح لا نزاع فيه” اهـ.
فهذا القول من الشيخ لماذا يعرض عنه الخصم، وهو كائن في الصفحة نفسها؟.
وقد يطلقُ بعضُ العلماء القولَ في موضع، ثم يقيد ما أطلقه في موضع آخر، وهذه عادة كثير من العلماء، فيأتي بعض هؤلاء فينقل المطلق؛ لأنه يناسب ما يذهب إليه، ويدع المقيد الذي يخالفه، فهذا ليس من الأمانة الشرعية أو العلمية في شيء، وعلى هؤلاء أن يكسروا أقلامهم، على سبيل المثال:
أطلق الشيخ الشنقيطي -رحمه الله- الحكم بكفر جميع من لَمْ يحكم بما أنزل الله في غير ما موضع من تفسيره ، ثم قيد هذا الحكم وحرره في أمس المواضع إليه -أعني: في تفسير قوله تعالى: )وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُم الْكَافِرُونَ(.فقال: “واعلم أن تحرير المقام في هذا البحث…”. فذكر التفصيل المعروف الذي نقلناه عنه فيما مضى، فأتى أحدهم ونشر المطلق فيها أسماه “الحاكمية في تفسير أضواء البيان” وكتم ما قيده الشيخ وحرره في هذا الموضع، وكان ينبغي العكس -إن أراد الاختصار- جريًا على قواعد أهل العلم وسننهم!
 ونقل آخر كذلك قول الشنقيطي -رحمه الله- في تفسير الآية الكريمة: )وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا( [الكهف:26]. والحق أنه قول مطلق، قيده في أمس المواضع إليه في تفسير آية المائدة (44)، فذكر التقييد كما أوضحته! فهل يحمل المطلق على المقيد -كما قال أهل الأصول- أم نقول: إن الشيخ تناقض؟ حاشا وكلا.
وبنحو ما قلت! قال الباحثُ الفاضلُ الدكتورُ عبدُ العزيز بنُ صالح الطويان في رسالته العلمية الأكاديمية “جهود الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تقرير عقيدة السلف” وهي من منشورات مركز البحث العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وقدم لها مدير الجامعة الدكتور الفاضل صالح العبود والشيخ العلامة عبد المحسن العباد.
إذ نقل قولَ الشيخ الشنقيطي: “إن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله -جل وعلا- على ألسنة رسله -صلى الله عليهم وسلم- أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته، وأعماه عن نور الوحي مثلهم”.
ثم علق عليه قائلاً: “وبِهَذَا تتجلى وقفة الشيخ الحازمة في وجه من غير حكم الله، وحكم بحكم الطواغيت؛ حيث إنه يقول بكفره، بل وبكفر كل من يشك في كفره”.
وليس موقف الشيخ -رحمه الله- هذا على إطلاقه، بل نراه يبين في موضع آخر متى يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفرًا مخرجًا عن الملة، ومتى يكون صاحبه مرتكبًا ذنبًا محرمًا لا يخرجه من دائرة الإسلام فيقول -رحمه الله-: “إن الكفر والظلم والفسق، كل واحد منها ربما أطلق في الشرع مرادًا به المعصية تارة، والكفر المخرج من الملة أخرى:
ومن لَمْ يحكم بما أنزل الله: معارضة للرسل، وإبطالاً لأحكام الله، فظلمه وفسقه وكفره كلها كفر مخرج عن الملة.
ومن لَمْ يحكم بما أنزل الله: معتقدًا أنه مرتكب حرامًا، فاعل قبيحًا، فكفره وظلمه وفسقه غير مخرج عن الملة”([37]).
ورأي الشيخ -رحمه الله- هذا هو رأي الأئمة الأعلام قبله، من أمثال الإمام ابن القيم -رحمه الله- الذي قال: “إن الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين: الأصغر، والأكبر بحسب حال الحاكم، فإنه إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة، وعدل عنه عصيانًا مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة؛ فهذا كفر أصغر.
وإن اعتقد أنه غير واجب، وأنه مخير فيه مع تيقنه أنه حكم الله؛ فهذا كفر أكبر، وإن جهله وأخطأه؛ فهذا مخطئ له حكم المخطئين”([38]).
وبِهَذَا التفصيل الدقيق من ابن القيم -رحمه الله- في هذه المسألة ندرك مدى توافق عقيدة الشيخ الأمين -رحمه الله- مع عقيدة السلف قبله، وتتضح جهوده -رحمه الله- في تقرير عقيدة السلف، والسير على منهجهم، واتباع طريقهم([39]).اهـ.
على أن الشيخ قد أوضح مقصوده في الصفحة نفسها التي نقل فيها الخصم: )فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ( فقال: “وأما النظام الشرعي المخالف لتشريع خالق السموات والأرض فتحكيمه كفر بخالق السموات والأرض كدعوى أن تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ليس بإنصاف، وأنَّهُما يلزم استواؤهما في الميراث. وكدعوى: أن تعدد الزوجات ظلم، وأن الطلاق ظلم للمرأة، وأن الرجم والقطع ونحوهما أعمال وحشية لا يسوغ فعلها بالإنسان، ونحو ذلك”([40]).
فهذه أمثلة ناطقة أن مقصود الشيخ بالذين لا يشك في كفرهم أولئك الذين طعنوا في أحكام الشريعة الإسلامية، وفضلوا الحكم بالقوانين الوضعية والأحكام الجاهلية، ولا يرتاب في هذا إلا من طمس الله بصيرته، وأعماه عن نور الوحي!.
 وقد صنع غير واحد من هؤلاء المكفرين هذا الصنيع السوء في نقله رأي سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- حيث أطلق سماحة الشيخ الحكم في بعض المواضع زجرا عن الحكم بغير ما أنزل الله، وقيده في كثير من المواضع ، فنشر غير واحد منهم إطلاق الشيخ، وكتم ما قيده، مع أن رأي الشيخ في هذه المسألة أوضح من أن يوضح، وأشهر من أن يشهر، وهذه خصلة تبكي لها عيون الإسلام!.
3- تفسير بعض مقالات أهل العلم بما لا يوافق مقاصدهم:
ومن ليهم كلام أهل العلم وتحميلهم له ما لا يحتمل! زعمهم: أن الحكم بغير ما أنزل الله يكون كفرًا أصغر “إذا حَكَمَ الحاكم أو القاضي بغير ما أنزل الله تعالى في واقعة ما، مع اعتقاده وجوب الحكم بما أنزل الله تعالى في هذه القضية المعينة، فعدل عنه عصيانًا وهوى وشهوة، مع اعترافه بأنه آثم في ذلك، ومستحق للعقوبة”([41])
 ويستشهدون على ذلك بما سقناه آنفًا من كلام أهل العلم في أن من حكم بغير ما أنزل الله هوى ومعصية أو خوفًا ورجاء لا يكون كافرًا كفرًا أكبر مخرجًا من الملة، ولكن: كفر دون كفر!
 فذكر أحدهم قول ابن عباس: “كفر دون كفر”. ثم قال: “إنما يقصد الحاكم المسلم الملتزم بالحكم بشريعة الله، لكنه قد يجور فيحكم بغير العدل في مسألة معينة، فهذا لا يكفر إلا إذا استحل ما فعل”([42]).
والجواب على هذه الشبهة المتهافتة من وجوه:
1- أنه لا يجوز لأحد كائنًا من كان أنْ يقيد ما أطلقه الشارع الشريف إلا بدليل أوبينة، فالآية -الأصل في هذه المسألة- عامة في جميع أحكام الشرع المطهر بلا تفريق أو استثناء أو تقييد، فمن لَمْ يحكم “بما”([43])أنزل الله في قضية واحدة أو في قضايا كثيرة فهو كافر كفرًا أكبر إن كان جاحدًا أو مستحلاًّ، أو كفرًا أصغر غير مخرج من الملة إن كان بِهَوى وشهوة ولو في قضايا كثيرة أو تشريعات عامة هذا فهم السلف لهذه الآية.
2- وعلى هذا جرى العلماء فلم يقيدوا ذلك بقضية أو قضيتين أو ثلاث، ومن ادعى ذلك فقد كذب عليهم.
ومن ثم فمن التضليل المقصود أو الجهل الفاضح المزري قول أحدهم: “ومن الأمور التي ينبغي التنبيه عليها: أن كل من تكلم من العلماء بقول: “كفر دون كفر”. قد اتفقت كلمتهم على أن المراد بِهَذا القول هم ذلك الصنف من الحكام الذين قبلوا أحكام الله ورسوله، ولَمْ يتخذوا شريعة مغايرة لها، لكنهم قد يخالفون في بعض الوقائع بدافع الهوى أو الشهوة، مع اعترافهم بأن حكم الله ورسوله هو الحق لا ما خالفه، وأنَّهُم عاصون مستحقون للعقوبة”([44]).
وهذه سُبة باقية في الأعقاب، وجناية في حق القراء، فاحكم بيننا أيها القارئ بحق وإنصاف، فانظر ما جاء عن الحبر ابن عباس، وتلميذه طاوس، وزين العابدين، وعطاء، فهل ترى لهم من تقييد بقضية معينة، وما كان لهم ولا يستطيعون، إنَّهُم عن تقييد ما أطلقه ربنا مبرءون إلا بدليل، وأنا أمهلهم عشرين سنة أن يأتوني بتقييد عن هؤلاء.
ثم يقول هذا الذي نقلنا عنه:
“قد يظن بعض الناس أن حكم الكفر على الحاكم لا يكون إلا بأن يترك الحاكم الحكم بكل ما جاء في الشريعة، فإذا حكم ببعض ما أنزل الله دل ذلك على إيمانه”.
وهذا الفهم فهم مغلوط، وقد رد القرآن على أصحابه بأوضح عبارة، عندما قال: )أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ( [البقرة:85].
وعندما قال: )الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً 150, أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا( [النساء:150- 151].
فليس شرطًا أن يقع الترك أو التبديل أو التغيير في جميع الأحكام الشرعية حتى يستحق الفاعلون لذلك اسم الكفر، بل متى تم ترك أو تبديل أو تغيير حكم واحد من الأحكام التي شرعها الله أو رسوله والاستعاضة عنه بما أحدثوه من الأحكام كان الكفر -والعياذ بالله- ([45]).
وهذا كلام تطير فيه رقاب، وتسيل منه دماء، وتقع به فتن أي فتن؛ ويلزم منه: تكفير حكام بني أمية ، وبني العباس، فليتق الله هؤلاء في أمة محمد S، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وما لي من تعليق على هذه الكلمة المدمرة إلا هذا الأثر العتيق:
عن بكير بن الأشج أنه سأل نافعًا: “كيف كان رأي ابن عمر في الحرورية؟ قال: يراهم شرار خلق الله، قال: إنَّهُم انطلقوا إلى آيات في الكفار فجعلوها على المؤمنين”([46]).
نعم ورد فقط عن شارح الطحاوية عندما فصل في هذه المسألة قوله: “وإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله، وعلمه في هذه الواقعة، وعدل عنه مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة، فهذا عاصٍ ويسمى كفرًا مجازيًّا، أو كفرًا أصغر”. وورد مثله أيضًا عن ابن قيم الجوزية، وقد مر آنفًا، فهذا غاية ما يتشبثون به.
وهذا فهم غير صحيح، فإن مقصود قائل هذه العبارة: “وعلمه في هذه الواقعة”. أوضح من أن يوضح، وأبين من أن يبين ، فالمراد بِهَا بيان حال هذا الحاكم عندما يحكم بغير ما أنزل الله في واقعة من الوقائع، فهو يعلم حكم الله في هذه الواقعة التي حكم فيها ولا يجهله، ومع ذلك فعل ما فعل من الحكم بخلاف حكم الله.
ولو أراد ما زعموه لقال مثلاً: “وعلمه في واقعة واحدة وعدل عنه”. أو قال: “علمه في واقعة معينة”.
ويبدو أن بعضهم أحس بضعف ما شغبوا به من حكاية: “القضية المعينة” فذهب إلى التفريق بين حكم القضاة المنفذين وبين الحكام المشرعين، وأن ما ورد من كفر دون كفر فهو منوط بالقضاة المنفذين إن حكموا بخلاف ما أنزل رب العالمين هوى وشهوة! فقال:
“وعلى هذا يمكن تفصيل القول في قضية الحكم بغير ما أنزل الله، ذلك أن تعبير الحكم بغير ما أنزل الله قد يقصد به عمل القضاة والمنفذين، وقد يقصد به عمل الأصوليين المشرعين، وعلى حسب الدقة في تحديد المناط تكون الدقة في سلامة الحكم وموافقته لمراد الشرع .
فإن قصد به عمل القضاة والمنفذين نظر: فإن كان مرده إلى تكذيب الحكم الشرعي أو رده فهو كفر أكبر يخرج من الملة، وإن كان مرده إلى عارض من هوى أو شهوة أو نحوه مع بقاء التحاكم ابتداء إلى الكتاب والسنة، أو ما حمل عليهما بطريق الاجتهاد فهو من جنس الذنوب والمعاصي،وأصحابه في مشيئة الله إن شاء عذَّبَهُم، وإن شاء غفر لهم.
أما إن قصد به المعنى الأصولي التشريعي.. فلا جدال في أن لهذه الصورة مناطًا واحدًا وتكييفًا واحدًا، وهو الكفر الأكبر المخرج من الملة الذي لا تبقى معه من الإيمان حبة خردل، كما قال تعالى: )أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِن الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ(.
ثم قال: والذي نخلص إليه من ذلك كله: أن قول بعض السلف: “كفر دون كفر“. في تفسير هذه الآية لا ينصرف مناطه إلى مناط التحاكم إلى القوانين الوضعية”([47]).
ودحض هذه الشبهة من وجهين اثنين:
الأول: أن الآية الحكيمة: )وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُم الْكَافِرُونَ(. عامة([48])لا يجوز تخصيصها بطائفة دون أخرى إلا بحجة من كتاب أو سنة، فالقضاة بأحكام الجاهلية، والحكام بالقوانين الوضعية، كلتا الطائفتين حكمت بغير ما أنزل الرحمن، فالآية تتناول كلتيهما بلا فرق.
الثاني: أن هذا التفريق لَمْ يسبق إليه، بل صرح المفسرون من السلف والخلف بأن هذه الآية تتناول الحكام بغير ما أنزل الله، كما تتناول تمامًا القضاة، وذلك كما في خبر أبي مجلز عندما استشهد بِهَا الخوارج الحرورية على كفر أمراء وقتهم، وكما في نقل ابن عطية: عن جماعة عظيمة من أهل العلم أن هذه الآية متناولة كل من لَمْ يحكم بما أنزل الله، ولكنه في أمراء هذه الأمة كفر معصية لا يخرجهم عن الإيمان، وكما في كلام ابن القيم، وشارح الطحاوية وغيرهم ممن عاصروا حكم التتار أو عاشوا بعده.
ومما يدل على أن مثل هذه الآية عامة ما رواه ابن أبي نجيح، عن طاوس قال: “كان إذا سألوه عن الرجل يفضل بعض ولده؟ يقرأ: )أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ([المائدة:50]([49]).
يقول ابن حزم: “وكل معتقد أو قائل أو عامل فهو حاكم في ذلك الشيء”([50]).
ويكثر استشهاد هؤلاء في هذه القضية بتعليق الشيخ محمود شاكر على خبر أبي مجلز، وحسبوا أن الشيخ -حفظه الله- يذهب إلى ما يذهبون إليه من تكفير جميع من لَمْ يحكم بما أنزل الله بجحود أو بغير جحود، وأن المقصود بتشنيعه نحن القائلين بالتفصيل، وهكذا طاب لهم أن يفهموا من كلامه المتين، ومما يدل على غلط ما فهموه من الشيخ أمران:
الأول: تصريحه بذكر الطائفة التي يشنع عليها في تصديره لكلامه بقوله: “اللهم إني أبرأ إليك من الضلالة، وبعد: فإن أهل الريب والفتن ممن تصدروا للكلام في زماننا هذا قد تلمس المعذرة لأهل السلطان في ترك الحكم بما أنزل الله، وفي القضاء في الدماء والأعراض والأموال بغير شريعة الله التي أنزلها الله في كتابه، وفي اتخاذهم قانون أهل الكفر شريعة في بلاد الإسلام”([51]). فهو يقصد بكلامه الآتي التشنيع والرد على طائفة معينة سوغوا للحاكم الحكم بقوانين الجاهلية محتجين بأثر أبي مجلز السابق، كما قال في أواخر مقالته: فمن احتج بِهَذين الأثرين وغيرهما في غير بابِهَا، وصرفها إلى غير معناها رغبة في نصرة سلطان، أو احتيالاً على تسويغ الحكم بغير ما أنزل الله، وفرض على عباده؛ فحكمه في الشريعة حكم الجاحد لحكم من أحكام الله.
الثاني: إحالته في نِهَاية تعليقه على كلمة ابن جرير الطبري مما يدل دلالة واضحة على أن مذهبه ومعتقده في هذه المسألة هو مذهبنا واعتقادنا الذي ندين الله به من التفصيل الذي سلف.
فقال في آخر كلامه: “واقرأ كلمة أبي جعفر بعد “ص358” من أول قوله: “فإن قال قائل”. ففيه قول فصل”.اهـ.
وقد سبق نقل كلمة أبي جعفر الطبري هذه.
ويكثر استشهادهم أيضًا بكلام الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ في رسالته الموسومة -بتحكيم القوانين- والحق أن للشيخ كلامًا آخر يذهب فيه إلى التفصيل الذي حكيناه عن السلف قد سبق([52]).
والحق أن في هذه الرسالة المذكورة ما يدل دلالة واضحة على هذا التفصيل فهاهو يقول:
“فانظر كيف سجل الله تعالى على الحاكمين بغير ما أنزل الله الكفر والظلم والفسوق، ومن الممتنع أن يسمي الله سبحانه الحاكم بغير ما أنزل الله كافرًا، ولا يكون كافرًا، بل هو كافر مطلقًا، إما كفر عملي، وإما كفر اعتقادي، وما جاء عن ابن عباس في تفسير هذه الآية من رواية طاوس وغيره يدل أن الحاكم بغير ما أنزل الله كافر: إما كفر اعتقاد ناقل عن الملة، وإما كفر عمل لا ينقل عن الملة”([53]).
ولقد فرح صاحب رسالة: (الرد على العنبري) أيما فرح بعبارتين أخريين لشيخ الإسلام بن تيمية؛ إذ تكهن أنَّهُما تؤيدان ما تخيله من التفريق المزعوم، وتؤكدان ما افتراه من تكفير المشرعين بإطلاق، فها هو يقول([54]) :
“فهؤلاء فهموا من كلام شيخ الإسلام أنه لا فرق عنده بين القضايا المعينة والتشريعات العامة، وأن حُكمهما عنده واحد، وهو أن فاعلها لا يكفر إلا بالاستحلال، وهذا الفهم خاطئ ومردود؛ لأنه معارض لنصوص صريحة لشيخ الإسلام.
فقد قال -رحمه الله-: “فإن الحاكم إذا كان دينًا لكنه حكم بغير علم كان من أهل النار، وإن كان عالمًا، لكنه حكم بخلاف الحق الذي يعلمه كان من أهل النار، وإذا حكم بلا عدل، ولا علم، كان أولى أن يكون من أهل النار، وهذا إذا حكم في قضية معينة لشخص، وأما إذا حكم حكمًا عامًّا في دين المسلمين، فجعل الحق باطلاً، والباطل حقًّا، والسنة بدعة، والبدعة سنة، والمعروف منكرًا، والمنكر معروفًا، ونَهى عما أمر الله به ورسوله، وأمر بما نَهَى الله عنه ورسوله، فهذا لون آخر يحكم فيه رب العالمين وإله المرسلين مالك يوم الدين”([55]).اهـ.
إن العجب لا ينقضي من ذلك المتهور حينما يذهب إلى تكفير من توقف في حكمهم شيخ الإسلام بن تيمية، وفوض الحكم فيهم لرب العالمين وإله المرسلين، فاعرف قدرك أيها الخنفشاري المسكين، ولا تتكلم فيما لا تحسنه، وإياك والمجازفة وحب الظهور؛ فإنه يقصم الظهور، فإن ما ذهبت إليه باطل من وجوه:
أولها: أن شيخ الإسلام لَمْ يتعرض هاهنا لموضوع التكفير، فهو يتكلم عن عقوبة القضاة والحكام وأحكامهم في الآخرة إذا حكموا بين الناس بغير الحق، مستفيدًا ذلك من حديث بريدة t، عن النبي S قال: ((القضاة ثلاثة: اثنان في النار، وواحد في الجنة:
1- رجل عرف الحق فقضى به؛ فهو في الجنة.
2- ورجل عرف الحق ولَمْ يقض به، وجار في الحكم؛ فهو في النار.
3- ورجل لَمْ يعرف الحق، وقضى للناس على جهل، فهو في النار))([56]).
ثانيها: أن قول الشيخ تقي الدين بن تيمية: “وأما إذا حكم حكمًا عامًّا في دين المسلمين، فجعل الحق باطلاً، والباطل حقًّا، والسنة بدعة والبدعة سنة … فهذا لون آخر يحكم فيه رب العالمين..”.
لا بد من تأمله وإمعان النظر فيه، فإنه لا يفيد ما ذهب إليه ألبتة.
لقد تكلم أبو العباس بن تيمية أولاً عن قضية الحكم بغير ما أنزل الله، وذلك في قوله: “… لكنه حكم بغير علم كان من أهل النار، وإن كان عالمًا لكنه حكم بخلاف الحق..”. ثم إنه يقول هاهنا: “فهذا لون آخر”. فماذا يعني به؟ إنه يعني لونًا آخر غير الحكم بغير ما أنزل الله، إنه يعني التبديل([57]) . ويرشح ذلك المعنى، بل ويؤكد عليه قوله قبل ذلك “في دين المسلمين”. وقوله: “فجعل… السنة بدعة، والبدعة سنة، والمعروف منكرًا، والمنكر معروفًا”. ومعلوم أن التبديل أشد جرمًا من مجرد الحكم بغير ما أنزل الله، وأعظم خطرًا؛ ولذلك قال فيه: “فهذا لون آخر يحكم فيه رب العالمين، وإله المرسلين، مالك يوم الدين”. ليبين خطورته وشدته.
فإذا ثبت أن مقصود الشيخ بقوله: “فهذا لون آخر”. هو التبديل، وهذا حق، انْهَار ما بناه هذا التائه، وانكشف الغطاء عن زيفه، وظهر جليًّا أن شيخ الإسلام بن تيمية لا يفرق بين القضية المعينة والتشريعات العامة، كما افترى الخصم، وإنما أراد أن يفرق بين الحكم بغير ما أنزل الله في القضية المعينة والتبديل للدين والملة، وبين التفريقين بون كبير واختلاف شاسع.
ثالثها: أنه على فرض أن الشيخ يتكلم هنا في موضوع الحكم بغير ما أنزل الله، لا التبديل، فإنه قد توقف في الحكم عليه، وفصل القول في أنواعه في مواضع أخرى، كقوله الفائت: “فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم بغير ما أنزل الله، فلم يلتزموا ذلك، بل استحلوا أنْ يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار، وإلا كانوا جهالاً”.
وهذا من عادة أهل العلم، أنَّهُم يتوقفون في الحكم في بعض القضايا في بعض الأحايين لأسباب كثيرة، ويفصلون في أحايين أخرى.
أما الذي صال به وجال، وجعله يركب رأسه، ويصر على غيه، فالعبارة التالية لشيخ الإسلام بن تيمية في رسالته التسعينية: “والإيجاب والتحريم ليس إلا لله ولرسوله، فمن عاقب على فعل أو ترك بغير أمر الله ورسوله، وشرع ذلك دينًا فقد جعل لله ندًّا، ولرسوله نظيرًا، بِمَنْزلة المشركين الذين جعلوا لله أندادًا، أو بِمَنْزلة المرتدين الذين آمنوا بمسيلمة الكذاب، وهو ممن قيل فيه: )أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِن الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ(([58]).
إذ أملى له شيطانه فورطه في قوله: “فانظر كيف جعلهم بِمَنْزلة المرتدين والمشركين، ولَمْ يفصل ويفرق بين من استحل ولَمْ يستحل”([59]). وبِهَذا نعلم ويتبين لنا قول شيخ الإسلام في هذه القضية، ولَمْ يتطرق العنبري بطبيعة الحال لكلام شيخ الإسلام في الفتاوى في تفريقه بين القضية المعينة والتشريع العام؛ لأنه غير قابل للتأويل والمهاترة..”([60]).
لقد اعتلاه التطاول فكبحه عن التوفيق في فهم ذلك النص فأخذ منه تكفير المشرعين من غير ما تفصيل، ولعل الذي أوقعه في ذلك قوله: “بِمَنْزلة المشركين… أو بِمَنْزلة المرتدين”.
والحق أن هاتيك الكلمة لا تفيد أبدًا ما ذهب إليه من تكفير المشرعين، ذلك أن معناها -هاهنا- التشبيه والمماثلة، لا الحكم والمرتبة كما في حديث المقداد -المتفق على صحته- أنه قال: ((يا رسول الله، أرأيت إن لقيت رجلاً من الكفار، فقاتلني؛ فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة، فقال: أسلمت لله، أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال رسول الله S: لا تقتله. قال: فقلت: يا رسول الله، إنه قد قطع يدي، ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله؟ قال رسول الله S: لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنْزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنْزلته قبل أن يقول كلمته التي قال))([61]).
فليس المراد إلحاقه في الكفر كما تقوله الخوارج من تكفير المسلم بالكبيرة، كما يقول الخطابي، ولكن معناه: أنه مثله في مخالفة الحق وارتكاب الإثم. فيما يقول القاضي عياض.
وقال ابن التين: “هذا من المعاريض؛ لأنه أراد الإغلاظ بظاهر اللفظ دون باطنه، وإنما أراد أن كلاًّ منهما قاتل، ولَمْ يرد أنه صار كافرًا بقتله إياه”.
وقال القرطبي: “ظاهره في الكفر، وليس ذلك بصحيح… ويحمل قوله: ((إنك بِمَنْزلته قبل أن تقتله)). على أنه بِمَنْزلته في استحقاق الذم والتأثيم… غير أن الاستحقاق فيهما مختلف… وإنما وقع التشبيه بينهما في مجرد الاستحقاق فقط”([62]).
وبرهان ذلك أمور ثلاثة في سياق الكلام، وسياقه في الصفحة نفسها التي نقل منها الخصم.
الأول: أن ابن تيمية ذكر الفكرة نفسها قبل ذلك بسطور بألفاظ متقاربة، وعبارات متماثلة، تؤكد ما ذهبنا إليه، فقال: “ليس لأحد من الناس أن يلزم الناس ويوجب عليهم إلا ما أوجبه الله ورسوله، ولا يحظر عليهم إلا ما حظره الله ورسوله، فمن أوجب ما لَمْ يوجبه الله ورسوله، وحرم ما لَمْ يحرمه الله ورسوله، فقد شرع من الدين ما لَمْ يأذن به الله، وهو مضاهٍ لما ذمه الله في كتابه من حال المشركين وأهل الكتاب…”.
فقوله: “وهو مضاهٍ”. مرادف لقوله بعد ذلك: “بِمَنْزلة المشركين”. وموضح له.
الثاني: أن ابن تيمية مثل لذلك ببعض الفرق التي لَمْ يكفرها، فقال بعد ذلك: “ولهذا كان من شعار أهل البدع إحداث قول أو فعل وإلزام الناس به، وإكراههم عليه، والموالاة عليه، والمعاداة على تركه، كما ابتدعت الخوارج رأيها، وألزمت الناس به، ووالت وعادت عليه، وابتدعت الجهمية رأيها، وألزمت الناس به، ووالت وعادت عليه، لما كان لهم من قوة في دولة الخلفاء الثلاثة الذين امتحن في زمنهم الأئمة لتوافقهم على رأي جهم الذي مبدؤه أن القرآن مخلوق، وعاقبوا من لَمْ يوافقهم على ذلك، ومن المعلوم أن هذا من المنكرات المحرمة بالعلم الضروري من دين المسلمين، فإن العقاب لا يجوز أن يكون إلا على ترك واجب، أو فعل محرم، ولا يجوز إكراه أحد على ذلك، والإيجاب والتحريم ليس إلا لله ولرسوله..”. إلى آخر ما نقله الخصم.
فالخوارج لَمْ يكفرهم شيخ الإسلام بن تيمية، وذكر أن الصحابة لَمْ يكفروهم([63])، وكذلك فإن الإمام أحمد ومن بعده ابن تيمية لَمْ يكفرا الخلفاء الثلاثة -أعني: المأمون والمعتصم والواثق- الذين أوجبوا على الناس ما لَمْ يوجبه الله ورسوله من القول بخلق القرآن، وألزموهم بذلك، وشرعوه دينًا، وعاقبوا على تركه بالتعذيب والحبس وقطع الأرزاق.
الثالث: أن هذه الرسالة “التسعينية” التي نقل منها الخصم العبارة التي تشبث بِهَا، هي رد على أعدائه من المبتدعة الذين مكروا به، واستعدوا السلطان عليه، وتقولوا عليه ما لَمْ يقله، وأوجبوا عليه ما لَمْ يوجبه الله ورسوله، وعاقبوه على تركه بالسجن؛ فكتب هذه الرسالة يذكر فيها تلك المحنة، فقال بعد الخطبة:
أما بعد: فإنه في آخر شهر رمضان سنة ست وعشرين وسبع مائة جاء أمر أن رسولين من عند الملأ المجتمعين من الأمراء والقضاة ومن معهم ذكرا رسالة من عند الأمراء مضمونَهَا طلب الحضور ومخاطبة القضاة؛ لتخرج -يعني: من السجن- وتنفصل القضية، وأن المطلوب خروجك، وأن يكون الكلام مختصرًا، ونحو ذلك، فقلت: سلم على الأمراء، وقل لهم: لكم سنة، وقبل السنة مدة أخرى تسمعون كلام الخصوم الليل والنهار، وإلى الساعة لَمْ تسمعوا مني كلمة واحدة، وهذا من أعظم الظلم .. إلى أن قال: وقد كتبت هنا بعض ما يتعلق بِهَذه المحنة التي طلبوها مني في هذا اليوم .. إلى أن ذكر العبارة التي طار بِهَا الخصم، ومعلوم أن شيخ الإسلام بن تيمية -رحمه الله- لَمْ يكفر خصماءه هؤلاء.
ثم قال -رحمه الله- بعد ذلك بسطور: فبين -يعني: الإمام أحمد- أن العقوبة لا تجوز إلا على ترك ما أوجبه الله أو فعل ما حرمه الله، فإذا كان القول ليس في كتاب الله وسنة رسوله لَمْ يجب على الناس أن يقولوه؛ لأن الإيجاب إنما يتلقى من الشارع، وإن كان القول في نفسه حقًّا، أو اعتقد قائله أنه حق، فليس له أن يلزم الناس أن يقولوا ما لَمْ يلزمهم الرسول أن يقولوه لا نصًّا ولا استنباطًا، وإن كان كذلك، فقول القائل: المطلوب من فلان -يعني: نفسه- أن يعتقد كذا وكذا، وأن لا يتعرض لكذا وكذا إيجاب عليه لهذا الاعتقاد، وتحريم عليه لهذا الفعل، وإذا كانوا لا يرون خروجه من السجن إلا بالموافقة على ذلك فقد استحلوا عقوبته وحبسه حتى يطيعهم في ذلك، فإذا لَمْ يكن ما أمروا به قد أمر الله به ورسوله، وما نَهَوا عنه قد نَهَى الله عنه ورسوله، كانوا بِمَنْزلة من ذكر من الخوارج والروافض والجهمية المشابِهِين للمشركين والمرتدين.
ومعلوم أن هذا الذي قالوه لا يوجد في كلام الله ورسوله بحال، وهم أيضًا لَمْ يبينوا أنه يوجد في كلام الله ورسوله، فلو كان هذا موجودًا في كلام الله ورسوله لكان عليهم بيان ذلك؛ لأن العقوبات لا تجوز إلا بعد إقامة الحجة، كما قال تعالى: )وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً(. فإذا لَمْ يقيموا حجة الله التي لَمْ يعاقب من خالفها، بل لا يوجد ما ذكروه في حجة الله، وقد نَهَوا عن تبليغ حجة الله ورسوله، كان هذا من أعظم الأمور مماثلة لما ذكر من حال الخوارج المارقين المضاهين للمشركين والمرتدين والمنافقين”. اهـ.
فانظر -يرحمك الله- إلى قوله: “كان بِمَنْزلة من ذكر من الخوارج والروافض المشابِهِين للمشركين والمرتدين”. وقوله: “كان هذا من أعظم الأمور مماثلة لما ذكر من حال الخوارج المارقين المضاهين للمشركين…” وكن على ذكر أن ابن تيمية لَمْ يكفر الخوارج، يتبين لك مقصود شيخ الإسلام من عبارته التي نقلها الخصم، ويتبين لك كذلك مراده بكلمته “بِمَنْزلة المشركين”. وأن معناها المشابَهَة لا غير، وتقف بعد ذلك كله على سوء فهم الخصم، وبلادة تفكيره، وخيانته العلمية، وأن دعواه أن ابن تيمية يفرق بين القضايا المعينة والتشريعات العامة دعوى لا أساس لها ولا برهان، وأن الحق الذي لا معدل عنه أن مناط الحكم على المشرعين والحكام هو الاستحلال، وهو مذهب السلف والخلف عامة، ومذهب ابن تيمية خاصة كما في قوله: “فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم بما أنزل الله، فلم يلتزموا ذلك، بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله، فهم كفار، وإلا كانوا جهالاً”.
ولا تلتفت إلى هذيان الخصم أن ابن تيمية نص في هذا الموضع على أن من استحل الحكم بغير ما أنزل الله كفر، ولكن ليس في كلامه أن من فعل هذا من غير استحلال أنه لا يكفر([64])؛ لأنه اعتراض سمج بارد، فماذا يفهم العقلاء من قوله “وإلا كانوا جهالاً” التي حذفها إخوان الخصم([65]) .
وأنا أمهل الخصم عشرين سنة أن يأتي بنص صريح من نصوص السلف أو الخلف في التفريق المزعوم بين القضايا المعينة والتشريعات العامة، وليرح القراء من شغبه بالنصوص التي لا تدل على ما انحرف فيه.
ولَمْ يكف هؤلاء بتر الكلام وتحميله ما لا يحتمل، فانطلق بعضهم يضرب في عشوائه، متهجمًا على النبلاء من أهل العلم وطلابه، واصفًا لهم بالغفلة والبله وعدم فقه الواقع؛ لأنَّهم “ظنوا أن عدم التكفير فتوى سلفية، وأن الذي ينطبق في حق هؤلاء الحكام المغيرين المبدلين هو عدم التكفير، والنظر إليهم على أنَّهُم مسلمون انطلاقًا من قول: “كفر دون كفر”. ومن ثم راحوا يرددون هذا القول، ويجمعون طرقه وأسانيده، ويروجون له بين الناس على أنه مذهب السلف الذي ينبغي اتباعه، بل ذهب بعضهم إلى ما هو أكثر من ذلك، حيث عدوا ما خالف قولهم -الباطل- بدعة يجب تركها والتوبة منها، وإلى مثل هؤلاء الغافلين الذين لا يعيشون واقعهم، ويطلقون الفتاوى والأحكام، وكأنَّهُم يعيشون في القرن الأول أو الثاني الهجري…”([66]).
ولا أحسب أن كاتب هذه السطور السوداء يخفى عليه أن الذي يتبنى هذه “الفتوى السلفية” هم أئمة هذا الزمان وعلى رأسهم: الشيخ الفقيه العلامة الأثري مفتي المملكة العربية السعودية عبد العزيز بن عبد الله بن باز، والشيخ الفقيه محدث العصر العلامة محمد ناصر الدين الألباني، ومن ثم نذكره بكلمة الحافظ ابن عساكر، مرتقبين سنة الله فيمن ينتقص الأكابر:
“وقلما انفك عصر من الأعصار من غاوٍ يقدح في الدين ويغوي إبِهَامًا، وعاوٍ يجرح بلسانه أئمة المسلمين ويعوي إيهامًا.. إلى أن قال:
واعلم يا أخي -وفقنا الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته- أن لحوم العلماء -رحمة الله عليهم- مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة؛ لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمره عظيم، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم، والاختلاق على من اختاره الله منهم لنعش العلم خلق ذميم”([67]).
ألا فلتبك عيون الإسلام لهؤلاء الذين يحقرون أكابر علماء الأمة وأبرهم قلوبًا؛ بدعوى أنَّهُم لا يفقهون الواقع، وما رأيت أجهل منهم بالواقع، والفتن المدلهمة التي أوقعوا شباب الأمة في نيرانِهَا في كثير من بلاد الشرق والغرب وولايات أمريكا شهيدة لا تكذب.
الكذب على أهل العلم
    فمثال ذلك ما ذكره كتاب “التحذير من فتنة التكفير” (77) وكتاب “فتنة التكفير” (35) من قول الشيخ العلامة ابن عثيمين:
“قد يكون الذي حمله على ذلك -أي: الحاكم- خوف من أناس آخرين أقوى منه إذا لَمْ يطبقه، فيكون هنا مداهنًا لهم، فحينئذ نقول: هذا كالمداهن في بقية المعاصي”.
فافترى أحد هؤلاء المكفرين للحكام بإطلاق في كتابه “الرد على العنبري” في طبعته الأولى (ص 23) وعكس مراد الشيخ بأن أضاف كلمة “كافر” فأثبته هكذا:
“فحينئذ نقول: هذا كافر كالمداهن في بقية المعاصي”.
ومثال ذلك أيضًا قول صاحب كتاب: “إن الله هو الحكم” (70) “إن كل من تكلم من العلماء بقول: “كفر دون كفر”. قد اتفقت كلمتهم على أن المراد بِهَذا القول هم ذلك الصنف من الحكام الذين قبلوا أحكام الله ورسوله، ولَمْ يتخذوا شريعة مغايرة لها، لكنهم قد يخالفون في بعض الوقائع بدافع الهوى أو الشهوة…”.
ولقد نقلت كتب التفسير ما ورد عن ابن عباس وطاوس وعطاء وزين العابدين وغيرهم في تفسير الآية الكريمة: )وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ(. قولهم فيها: كفر دون كفر. ولَمْ تنقل عنهم ألبتة ما ذكره هذا الكاتب!!.
دعواهم إجماع أهل السنة
على كفر من حكم بغير ما أنزل الله في التشريع العام ولو بدون استحلال
وهذا محض افتراء على أهل السنة منشؤه الجهل أو سوء القصد، نسأل الله العافية:
وهذا أمر خطير للغاية، يجرئ الناس على تكفير حكامهم وولاة أمورهم، ثم تكون الفتن والدماء، وقد اتفقت كتب هؤلاء المكفرين على هذه الدعوى المدمرة، وأذكر هؤلاء بضرورة التوبة إلى الله من ذلك، ومراجعة أهل العلم الموثوقين -وهم كثير وفي كل مكان والحمد لله-؛ ليتعلموا منهم ويبينوا لهم زلاتِهِم، ونسأل الله للجميع الهداية والتوفيق والثبات على الإسلام والسنة.
فمن ذلك:
1. فمن ذلك ما نقله (من تكلف الرد على العنبري) عن الحافظ الكبير إسحاق بن راهويه من قوله: “وقد أجمع العلماء أن من سب الله U، أو سب رسوله S، أو دفع شيئًا أنزل الله، أو قتل نبيًّا من أنبياء الله، وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر”.
 هكذا نقله الخصم عن ابن راهويه بواسطة حافظ أهل المغرب أبي عمر بن عبد البر المتوفى سنة (463) في كتابه التمهيد([68]) بمعناه.
على أن هذا الكلام قد نقله عن ابن راهويه بتمامه  تلميذهُ الإمامُ محمدُ بنُ نصر المروزي المتوفى سنة (394) في كتابه “تعظيم قدر الصلاة” ولفظه: “ومما أجمعوا على تكفيره، وحكموا عليه كما حكموا على الجاحد، فالمؤمن الذي آمن بالله تعالى، وبما جاء من عنده، ثم قتل نبيًّا، أو أعان على قتله، وإن كان مقرًّا، ويقول: قتل الأنبياء محرم؛ فهو كافر، وكذلك من شتم نبيًّا، أو رد عليه قوله من غير تقية ولا خوف، ألا ترى إلى ما جاء عن النبي S حين أعطى الأعرابي ثم قال له: ((أحسنت. قال: لا، ولا أجملت، فغضب أصحابه y حتى هموا بقتله، فأشار إليهم النبي S بالكف، وقال للأعرابي: تأتيناه. فجاءه في بيته فأعطاه وزاده، ثم قال له: أحسنت. قال: أي والله وأجملت..)).
ففي هذا تصديق ما وصفنا أنه يكفر بالرد على النبي S.
ولكن كل من كان كفره من جهة الجهل وغير الاستهانة رفق به حتى يرجع إلى ما أنكره، كما رفق النَّبِي  S بالأعرابي”([69]). اهـ.
فهذا كلام الإمام الكبير إسحاق بن راهويه بتمامه وكماله ومن نقل تلميذه الذي اختص به وأكثر عنه، وفيه بيان لحقيقة الرد، فهذا الأعرابي كان مقرًّا بكل ما أنزله الله على رسوله، غير أنه لَمْ يرض بحكم النبي S، بل دفعه ورده، ومع ذلك لَمْ يكفره النبي S ولَمْ يخرجه من الملة الإسلامية والدائرة الإيمانية، بل أقال عثرته، وأعطاه وزاده؛ لعلمه أنه لَمْ يرد حكمه عن استهانة أو بغض أو استكبار.
هذا ويرى الشيخ العلامة عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب -رحمهما الله تعالى- أن معنى هذه الكلمة من ابن راهويه الجحود والإنكار، فها هو يقول: “ومعنى قول إسحاق -رحمه الله تعالى-: أو دفع شيئًا مما أنزل الله. أن يدفع أو يرد شيئًا مما أنزل الله في كتابه، أو على لسان رسوله S، أو نَهَى عنه، ثم دفعه بعد ذلك فهو كافر مرتد، وإن كان مقرًّا بكل ما أنزل الله في كتابه من الشرع إلا ما دفعه وأنكره لمخالفته هواه أو عادته أو عادة بلده، وهذا معنى قول العلماء: من أنكر فرعًا مجمعًا عليه كفر”([70]).
والحاصل من ذلك كله: أن الرد أو الدفع لما أنزل الله إذا كان عن عناد أو استكبار أو استهانة كان كفرًا أكبر مخرجًا من الملة، حتى وإن صاحبه تصديق أو إقرار، وهذا هو كفر العناد، نحو كفر إبليس، فإنه لَمْ يجحد أمر الله له بالسجود، فإن الله باشره بالخطاب، وإنما رده ولَمْ ينقد له إباءً واستكبارًا، وإذا كان الرد أو الدفع لما أنزل الله لا عن استهانة أو عناد أو إباء، بل عن خوف أو هوى، لَمْ يكن من الكفر في شيء، نحو رد الأعرابي والأنصاري في الحديثين السابقين، وإلى هذا يشير ابن راهويه بقوله: “وكذلك من شتم نبيًّا، أو رد عليه قوله من غير تقية ولا خوف”. وقوله: “يكفر بالرد على النبي S، ولكن كل من كان كفره من جهة الجهل وغير الاستهانة، رفق به حتى يرجع إلى ما أنكره”.
وبذلك لا يبقى للخصم متعلق بكلمة ابن راهويه إن كان منصفًا، والحمد لله رب العالمين.
2- ومن ذلك ما نقله هؤلاء عن شيخ الإسلام بن تيمية -رحمه الله- قوله: “معلوم بالاضطرار من دين المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع شريعة غير شريعة محمد S فهو كافر”([71])واستشهدوا به على الإجماع على ما ذهبوا إليه من التعميم والإطلاق، وهو صريح الدلالة على كفر من استباح فقط، ففي المصباح المنير: “ساغ فعل الشيء بمعنى: الإباحة. ويتعدى بالتضعيف فيقال: “سوغته” أي: أبحته”([72]).
3- ونقلوا عن شيخ الإسلام أيضًا قوله: “والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه، أو حرم الحلال المجمع عليه، أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافرًا مرتدًّا باتفاق الفقهاء، وفي مثل هذا نزل قوله على أحد القولين:)وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُم الْكَافِرُونَ(. أي: هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله”([73]).
فقد بين شيخ الإسلام المقصود من قوله: “أو بدل الشرع المجمع عليه”. ببيان لا إشكال فيه عندما قال بعد ذلك مباشرة:
“ولفظ الشرع يقال في عرف الناس على ثلاث معانٍ:
“الشرع الْمُنَزَّل: وهو ما جاء به الرسول S، وهذا يجب اتباعه، ومن خالفه وجبت عقوبته”.
والثاني: “الشرع المؤول“: وهو آراء العلماء المجتهدين فيها كمذهب مالك ونحوه، فهذا يسوغ اتباعه ولا يجب ولا يحرم، وليس لأحد أن يلزم عموم الناس به، ولا يمنع عموم الناس منه.
والثالث: “الشرع المبدل“: وهو الكذب على الله ورسوله أو على الناس بشهادات الزور ونحوها والظلم البين، فمن قال: إن هذا من شرع الله فقد كفر بلا نزاع، كمن قال: إن الدم والميتة حلال”([74]).
فالمراد بالشرع المبدل عند شيخ الإسلام أن يستحل المجمع عليه، ثم يفتري الكذب على الله، ويقول: هذا من شرع الله. كمن قال: “إن الدم والميتة حلال عند الله ورسوله!!، وبذلك تقطع جهيزة قول كل خطيب، ويسقط كل من يلبس على المسلمين ببتر كلام العلماء والأئمة!.
4- واستدل على الإجماع أحدهم بقول ابن تيمية أيضًا: “ومعلوم أن من أسقط الأمر والنهي الذي بعث الله به رسله؛ فهو كافر باتفاق المسلمين واليهود والنصارى”([75]).
ويسلم استدلاله بِهَذا إذا أثبت أن معنى “أسقط” هاهنا: عدم العمل أو التطبيق، ويلزم منه تكفير العصاة كلهم أجمعين، وهذا في غاية البطلان.
وفي لسان العرب: “أسقط الشيء: إذا ألقاه، ورمى به”.
ولا شك أن كل من ألغى الأوامر الإلهية والمناهي الشرعية واستهان بِهَا كافر باتفاق الملل كلها.
3- ونقلوا عن الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز-حفظه الله تعالى-، قوله: “وكل من استباح ما حرم الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة كالزنا، والخمر، والربا، والحكم بغير شريعة الله؛ فهو كافر بإجماع المسلمين”([76]).
فمقصود الشيخ هاهنا أبين من فلق الصبح، إنه يكفر من استباح الحكم بغير شريعة الله، ونقل الإجماع على ذلك، فأين هذا مما يستدلون عليه من كفر المستبيح وغير المستبيح، وأعجب من ذلك أن تفصيل الشيخ في هذه المسألة الخطيرة في المرجع نفسه([77])الذي نقلوا منه كلامه السابق!!!.
على أن الذي استغلق عليهم بحق قول الحافظ ابن كثير عندما ذكر في تاريخه جنكيزخان والياسق الذي وضعه ليتحاكم إليه التتار:
“وفي ذلك كله مخالفة لشرائع الله الْمُنَزَّلة على عباده الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- فمن ترك الشرع المحكم الْمُنَزَّل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه([78])؟! من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين”([79]).
يا رحمكم الله، وألهمكم رشدكم تدبروا القول، إن الذي تذهبون إليه من انتزاع الإجماع على تكفير جميع من لَمْ يحكم بشريعة خاتم المرسلين من كلام الحافظ ابن كثير سوء ظن به، واتِّهَام له بالخبط والتناقض؛ إذ إنه نقل  -رحمه الله- في تفسيره العظيم أقوال السلف في هذه المسألة عند تفسير قوله تعالى: )وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُم الْكَافِرُونَ(. ومن هذه الأقوال التي نقلها قول من قال: “كفر دون كفر”. ومن قال: “ليس بكفر ينقل عن الملة”. ومن قال: “ليس بالكفر الذي تذهبون إليه”. ومن قال: “من جحد ما أنزل الله فقد كفر، ومن أقر به ولَمْ يحكم به فهو ظالِم فاسق”. فكيف ينقل الإجماع على ضد ذلك.
يا قوم إنه يذهب إلى ما نذهب إليه فهاهو -رحمه الله- يقول في تفسيره: )وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُم الظَّالِمُونَ(.
“وهذا أيضًا مما وبخت به اليهود وقرعوا عليه، فإن عندهم في نص التوراة: “أن النفس بالنفس”. وهم يخالفون حكم ذلك عمدًا وعنادًا،ويقيدون النضري من القرظي، ولا يقيدون القرظي من النضري، بل يعدلون إلى الدية، كما خالفوا حكم التوراة المنصوص عندهم في رجم الزاني المحصن، وعدلوا إلى ما اصطلحوا عليه من الجلد والتحميم والإشهار؛ ولهذا قال هناك: )وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُم الْكَافِرُونَ(. لأنَّهُم جحدوا حكم الله قصدًا منهم وعنادًا وعمدًا”([80]). اهـ.
فجعل علة كفرهم الجحود لما أنزل الله تمامًا كما قال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري: “إن الله تعالى عم بالخبر بذلك عن قوم كانوا بحكم الله الذي حكم به في كتابه جاحدين، فأخبر عنهم أنَّهُم بتركهم الحكم على سبيل ما تركوه كافرون، وكذلك القول في كل من لَمْ يحكم بما أنزل الله جاحدًا به هو بالله كافر”([81]).
وقال أيضًا في آخر تفسير قوله تعالى: )وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُم الظَّالِمُونَ(. قد تقدم عن طاوس وعطاء أنَّهُما قالا: “كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق”([82]). ولَمْ يذكر غيره من الأقوال اختيارًا منه واستحسانًا لهذا القول الرشيد.
فكيف تنتزعون من كلامه إجماعًا على ما تذهبون إليه من تكفير جميع من لَمْ يحكم بما أنزل الله .
يا قوم إن الذي نقله الحافظ ابن كثير -رحمه الله- إجماع خاص بملوك التتار؛ لأنَّهُم قدموا حكم الياسق وفضلوه على حكم الله U، ولا ينسحب بحال إلا على من تلبس بمثل ما تلبسوا به من نواقض الإسلام والتي منها تفضيل الحكم بغير ما أنزل الله، والتي منها أيضًا كما يقول شيخ الإسلام بن تيمية -رحمه الله-.
1- أنَّهُم يجعلون دين الإسلام كدين اليهود والنصارى، وأن هذه كلها طرق إلى الله، بِمَنْزلة المذاهب الأربعة عند المسلمين، ثم منهم من يرجح دين اليهود أو دين النصارى، ومنهم من يرجح دين المسلمين”([83]).
2- حتى إن وزيرهم هذا الخبيث الملحد المنافق صنف مصنفًا مضمونه: أن النبي S رضي بدين اليهود والنصارى، وأنه لا ينكر عليهم، ولا يذمون، ولا ينهون عن دينهم، ولا يؤمرون بالانتقال إلى الإسلام([84]).
3- فهذا وأمثاله من مقدميهم كان غايته بعد الإسلام أن يجعل محمدًا S بِمَنْزلة هذا المعلون -يعني: جنكيزخان- ومعلوم أن مسيلمة الكذاب كان أقل ضررًا على المسلمين من هذا، وادعى أنه شريك محمد في الرسالة؛ وبِهَذَا استحل الصحابة قتاله وقتال أصحابه المرتدين، فكيف بمن كان فيما يظهره من الإسلام يجعل محمدًا كجنكسخان؟!([85]).
4- كما قال أكبر مقدميهم الذين قدموا إلى الشام، وهو يخاطب رسل المسلمين ويتقرب إليهم بأنا مسلمون، فقال: “هذان آيتان عظيمتان جاءا من عند الله محمد وجنكسخان”. فهذا غاية ما يتقرب به أكبر مقدميهم إلى المسلمين أن يسوي بين رسول الله وأكرم الخلق عليه وسيد ولد آدم وخاتم المرسلين، وبين ملك كافر مشرك من أعظم المشركين كفرًا وفسادًا وعدوانًا من جنس بختنصر وأمثاله([86]).
5- وذلك أن اعتقاد هؤلاء التتار كان في جنكسخان عظيمًا، فإنَّهُم يعتقدون أنه ابن الله من جنس ما يعتقده النصارى في المسيح، ويقولون: إن الشمس حبلت أمه، وأنَّهَا كانت في خيمة فَنَزَلَتْ الشمس من كوة الخيمة فدخلت فيها حتى حبلت. ومعلوم عند كل ذي دين أن هذا كذب، وهذا دليل على أنه ولد زنا، وأنَّ أمه زنت فكتمت زناها، وادعت هذا حتى تدفع عنها معرة الزنا([87]).
6- وهم مع هذا يجعلونه أعظم رسول عند الله في تعظيم ما سنه لهم وشرعه بظنه وهواه، حتى يقولوا لما عندهم من المال: هذا رزق جنكسخان. ويشكرونه على أكلهم وشربِهِم، وهم يستحلون قتل من عادى ما سنه لهم هذا الكافر الملعون المعادي لله ولأنبيائه ورسوله وعباده المؤمنين([88]).
فهذه أحوال ملوك التتار الذين دخلوا في دين الإسلام، وحكموا بغير ما أنزل الرحمن جحودًا واستحلالاً، وتلبسوا بنواقض عديدة تخرجهم من الإسلام، فلهذا كفرهم الحافظ ابن كثير، بل نقل الإجماع على كفرهم، وهذا حق لا ريب فيه.
ومما يدل أيضًا أن هذا الإجماع الذي نقله ابن كثير خاص بملوك التتار ومن تلبس بمثل ما تلبسوا به من نواقض الإسلام، والتي منها الجحود والاستحلال والتفضيل والتقديم للحكم بغير ما أنزل الرحمن، قوله في تفسير قوله تعالى: )أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَن أَحْسَنُ مِن اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ([المائدة:5].
“ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونَهَا بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيزخان الذي وضع لهم الياسق، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى: من اليهودية، والنصرانية، والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعًا متبعًا يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله S.
فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير”([89]).
فقول الحافظ ابن كثير في آخر كلامه: “يقدمونه”. ثم قوله: “فمن فعل ذلك منهم فهو كافر”. واضح الدلالة أن هذا التكفير خاص بِهِم ومن حذا حذوهم في الجحود والاستحلال والتقديم والتفضيل لغير ما أنزل الله.
ثم إن قوله: “فصارت في بنيه شرعًا متبعًا…”. برهان على أنَّهُم استحلوا هذه الأحكام الجاهلية، وجعلوها دينًا من عند الله، يدل على ذلك قولهم: جنكيز خان ابن الله، وقول ابن تيمية الذي مضى قريبًا: “وهم مع هذا يجعلونه أعظم رسول عند الله في تعظيم ما سنه لهم وشرعه بظنه وهواه.. وهم يستحلون قتل من عادى ما سنه لهم هذا الكافر الملعون”.اهـ.
وهذا كفر كما قال ابن العربي: “إن حكم بما عنده على أنه من عند الله فهو تبديل له يوجب الكفر”([90]).
وهب أن ابن كثير -رحمه الله- نقل الإجماع على ما ذهبوا إليه، وجعلوه دينًا لهم، فهو إجماع منقوض بضده من أقوال العلماء الذين سبقوا ابن كثير والذين عاصروه، وكل يؤخذ من كلامه ويرد إلا رسول الله S.
  
جهلهم بمصطلحات أهل العلم
 تزخر العلوم الشرعية بمصطلحات علمية كثيرة، ولهذه المصطلحات مدلولاتِهَا المختلفة التي لا يمكن فهم نصوص العلماء بدون معرفتها والتمييز بينها، إن الجهل بمدلول هذه المصطلحات قد أوقع كثرة من الكتاب في أغلاط كبيرة ونتائج خطيرة.
فمما لَمْ ينتبه له هؤلاء من المصطلحات، وانعكست آثاره على حقائق بحوثهم وصحة نتائجها:
1- مصطلح التبديل:
ففي غضون محاولة أحدهم إثبات “إجماع العلماء على كفر الحاكم بغير ما أنزل الله ولو لَمْ يستحل”([91]) استدل بقول شيخ الإسلام بن تيمية: “والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه، أو حرم الحلال المجمع عليه، أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافرًا باتفاق الفقهاء”([92]).
وما أدري لَمْ أعرض عن نقل بقية قول ابن تيمية: “وفي مثل هذا نزل قوله تعالى على أحد القولين: )وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُم الْكَافِرُونَ( أي: هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله”.
مهما يكن فقد انتزع من قول ابن تيمية: “أو بدل الشرع المجمع عليه، كان كافرًا باتفاق الفقهاء”. كفر من لَمْ يستحل الحكم بالقوانين الوضعية زاعمًا أنَّهُم بدلوا الشرع المجمع عليه.
والحق أن الحكام بالقوانين الوضعية لَمْ يبدلوا الشرع المجمع عليه؛ ذلك بأنَّهُم لَمْ ينسبوا هذه القوانين الوضعية إلى الشريعة الإسلامية؛ ولَمْ يخبروا أنَّهَا شرع رب البرية، بل يصرحون أنَّهَا محض نتاج العقول البشرية: بريطانية كانت، أو فرنسية، فهذا هو التبديل في لغة الفقهاء وعرف العلماء.
ولو أن هذا المكفِِِر أتم النقل عن ابن تيمية لألفى ذلك واضحًا بعد سطور؛ إذ يقول في بيان أوضح من فلق الصبح: “والشرع المبدل: هو الكذب على الله ورسوله، أو على الناس بشهادات الزور ونحوها والظلم البين، فمن قال: إن هذا من شرع الله فقد كفر بلا نزاع”.
وذكر مثل ذلك الجصاص من قبل وسبق قريبًا، وقال مثله ابن العربي من بعد في أحكام القرآن: “إن حكم بِمَا عنده على أنه من عند الله فهو تبديل يوجب الكفر([93]).
مصطلح الالتزام:
فقد استدل هذا المكفر(!) هداه الله على الإجماع أيضًا بقول ابن قيم الجوزية -رحمة الله عليه-: “وقد جاء القرآن وصح الإجماع بأن دين الإسلام نسخ كل دين قبله، وأن من التزم ما جاءت به التوراة والإنجيل، ولَمْ يتبع القرآن فهو كافر”([94]).
فحسب أن الالتزام هاهنا جاء بالمعنى الشائع أو الدارج في هذه الأزمنة، فيقولون: شاب ملتزم، ويعنون بذلك أنه مستمسك بشرائع الإسلام عامل بِهَا.
وقد حاول من رد على العنبري أن يثبت أن شيخ الإسلام بن تيمية يفرق بين القضية المعينة والتشريع العام، فأورد قوله: “فمن لَمْ يلتزم بحكم الله ورسوله فيما شجر بينهم، فقد أقسم الله بنفسه أنه لا يؤمن، وأما من كان ملتزمًا لحكم الله باطنًا وظاهرًا، لكنه عصى واتبع هواه، فهذا بِمَنْزِلة أمثاله من العصاة”([95]) .
ثم قال صاحب الرد المذكور: “فانظر كيف جعل الذي بِمَنْزِلة غيره من العصاة هو الذي يلتزم حكم الله باطنًا وظاهرًا، فهل محكمو القوانين الوضعية ملتزمون بحكم الله ظاهرًا حتى يقال: إنَّهُم كالعصاة، وأن عملهم معصية لا يكفرون إلا باستحلالها”([96]).
وحاول أن يثبت ذلك الأمر نفسه عن ابن قيم الجوزية -رحمه الله- فنقل قوله: “وإذا حكم بغير ما أنزل الله، أو فعل ما سماه رسول الله S كفرًا، وهو ملتزم للإسلام وشرائعه، فقد قام به كفر وإسلام”([97]).
ثم قال رده الله إلى الحق: “فهذا كلامه واضح، فهل يقال لمن يحكم بالقوانين الوضعية الفرنسية والبريطانية: إنه ملتزم للإسلام وشرائعه؟! أم يقال: إنه متجرد عن الإسلام، منحل عن شرائعه”([98]).
لقد ضرب هؤلاء في أودية الحدس، فسبق إلى ظنهم أن الالتزام في اصطلاح أهل العلم معناه العمل بالإسلام، فحملوا كلامهم ما لا يحتمل، وتقولوا عليهم ما لَمْ يقولوه جهلاً بغير علم.
إن الالتزام في اصطلاح العلماء وعرف الفقهاء: هو الإيجاب على النفس، فقولهم: التزم أحكام الإسلام، معناه: أوجب على نفسه الأخذ بِهَا([99]) وإن لَمْ يعمل بِهَا.
وقد أوضح ذلك الشيخ السعدي -رحمة الله عليه- في تفسير الآية نفسها بلفظ قريب من لفظ شيخ الإسلام بن تيمية فقال: “ومن ترك التحكيم المذكور غير ملتزم له فهو كافر، ومن تركه مع التزامه، فله حكم أمثاله من العاصين”([100]).
فقوله: “ومن تركه مع التزامه” يعني: مع إذعانه لها وعدم ردها وإن لَمْ يعمل بِهَا، وإلا تناقض كلامه.
ومما يؤكد ذلك استعمال ابن تيمية لهذا المصطلح في عامة كتبه، ومن ذلك قوله في مسألة تكفير تارك الصلاة: “ومورد النِّزَاع هو فيمن أقر بوجوبِهَا والتزم فعلها ولَمْ يفعلها، وأما من لَمْ يقر بوجوبِهَا فهو كافر باتفاقهم… وإن لَمْ يجحد وجوبَها، فهو مورد النِّزَاع، بل هنا ثلاثة أقسام:
أحدها: فإن جحد وجوبَهَا فهو كافر بالاتفاق.
والثاني: أن لا يجحد وجوبَهَا، لكنه ممتنع من التزام فعلها كبرًا أو حسدًا أو بغضًا لله ورسوله… فهذا أيضًا كافر بالاتفاق.
والثالث: أن يكون مقرًّا ملتزمًا، لكن تركها كسلاً وتَهَاونًا…”([101]).
لقد شغب مَن تكلف الرد على العنبري بذلك كله؛ ليثبت فرقًا بين القضايا المعينة والتشريع العام؛ وليبطل ما أجمع عليه السلف وأهل السنة من أن مناط الحكم بالكفر على مرتكب الكبيرة -ومن ذلك الحكم بغير ما أنزل الله- هو الاستحلال، فحاول عبثًا أن يبطل ذلك المناط في قول ابن تيمية: “ولا ريب أن من لَمْ يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر”([102]). وقوله: “فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم بما أنزل الله، فلم يلتزموا ذلك بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله، فهم كفار، وإلا كانوا جهالاً”. وقوله: “وفي مثل هذا نزل قوله على أحد القولين: )وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُم الْكَافِرُونَ(. أي: هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله”([103]). وحاول أن يبطل ذلك المناط أيضًا في قول ابن قيم الجوزية وقوله: “ومنه ما لا يضاد الإيمان كالحكم بغير ما أنزل الله…”([104]).
يقول هداه الله معقبًا على ذلك: فقد بين ابن القيم -رحمه الله- في الكتاب نفسه أن المقصود به ذلك الحاكم المطبق للشريعة الملتزم بِهَا حيث قال: “وإذا حكم بغير ما أنزل الله، أو فعل ما سماه رسول الله S كفرًا وهو ملتزم للإسلام وشرائعه، فقد قام به كفر وإسلام”.
فانطلق يخبط في عشوائه يفسر مصطلح الالتزام بالتطبيق؛ فجاء إثمًا وزورًا، وإفكًا مبينًا
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
([1] )اقارن ذلك ببيان رقم(  )
([2]) يعني: مجاري الماء.
([3]) المراد به أصل الحائط والمعنى حتى يبلغ تمام الشرب.
([4]) البخاري: (2359) ، (2361)، ومسلم: (2357) .
([5]) الجامع لأحكام القرآن: (5/267).
([6]) فتح الباري: (5/44).
([7]) متفق عليه: وقد سبق.
([8]) متفق عليه. البخاري: (13)، ومسلم: (71).
([9]) تفسير القرآن للسمعاني: (1/444). ط. دار الوطن.
([10] ) الفتاوى: (7/37)
([11]) المقصود بالالتزام: الإذعان لأحكام الله ورسوله والإقرار بِهَا  وعدم ردها وإن لَمْ يعمل بِهَا، كما سيتضح في كلام الشيخ السعدي الآتي، وكما هو معروف في اصطلاح الفقهاء.
([12]) منهاج السنة: (5/131).
([13]) تيسير الكريم الرحمن: (2/93-94).
([14]) في ظلال القرآن: (3/1642).
([15]) حديث حسن: أخرجه الترمذي: (3095)، وابن سعد، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني: (17/92)، وابن جرير الطبري: (14/210)، وأبو الشيخ، وابن مردويه، والبيهقي، وحسنه ابن تيمية، والألباني.
([16]) أخرجه الطبري في تفسيره: (14/211)، وعبد الرزاق، والفريابي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والبيهقي، كما في الدر المنثور: (4/174).
([17]) الأصل: بتحريم الحلال، وتحليل الحرام ثابتًا، ولعل الصواب ما أثبته.
([18]) الإيمان: (67).
([19]) الإيمان (67-68).
([20]) حكم الله وما ينافيه: (37-38).
([21]) تحكيم الشريعة وصلته بأصل الدين: (47).
([22]) انظر: المحرر الوجيز: (13/159) ،البحر المحيط: (7/515).
([23] ) انظر: الجامع لأحكام القرآن (16/19).
([24]) تفسير الطبري: (25/21).
([25]) تفسير القرآن العظيم: (4/120).
([26]) المحرر الوجيز: (5/359).
([27]) حكم الله وما ينافيه: (39)، ونواقض الإيمان القولية والعملية: (313).
([28]) في ظلال القرآن: (3/1198).
([29]) أحكام القرآن: (3/ 752).
([30]) الجامع لأحكام القرآن: (7/77-78).
([31]) محاسن التأويل: (6/2491).
([32]) حكم الله وما ينافيه: (45)، نواقض الإيمان: (316).
([33]) انظر تفسير الطبري: (10/358).
([34]) إن الله هو الحكم: (34)، والطريق إلى الخلافة: (55).
([35]) منهاج أهل السنة: (5/130).
([36]) الرد على العنبري (9)، الطبعة الأولى.
([37]) أضواء البيان: (2/104).
([38]) مدارج السالكين: (1/336-337).
([39]) جهود الشيخ الشنقيطي في تقرير عقيدة السلف: (182-183).
([40]) أضواء البيان (84).
([41]) حكم الله وما ينافيه: (82)، نواقض الإيمان القولية والعملية: (235).
([42]) ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة: (164).
([43]) “ما“: من الألفاظ التي تفيد العموم، والمراد هنا عموم ما أنزل الله.
([44]) إن الله هو الحكم: (70).
([45]) إن الله هو الحكم: (119-120).
([46]) أخرجه ابن عبد البر في التمهيد: (23/335)، وعلقه البخاري في باب: قتل الخوارج، وذكر ابن حجر في فتح الباري: (12/298)، أن الطبري وصله في مسند علي من تَهذيب الآثار، وقال: سنده صحيح.
([47]) تحكيم الشريعة وصلته بأصل الدين: (41-44).
([48]) كلمة “من” في معرض الشرط تفيد العموم.
([49]) أخرجه سعيد بن منصور: (505)، وابن أبي شيبة: (11/220)، وابن عبد البر في التمهيد: (7/229).
([50]) الفصل: (3/302).
([51]) تفسير الطبري: (10/348).
([52]) مجموع الفتاوى (1/80) وكان قد ذكره لي الشيخ ابن جبرين من قبل، ونقلته عنه في الطبعات السابقة، واستغنينا عنه في هذه الطبعة الجديدة، اكتفاء بِهذا النص المهم الذي نقلناه من فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله-  والحمد لله.
([53]) تحكيم القوانين: (15).
([54]) الرد على العنبري: (16) الطبعة الأولى.
([55]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام: (35/388).
([56]) حديث صحيح بشواهده: أخرجه أبو داود: (3573)، والنسائي في الكبرى:   (5922)، وابن ماجه: (2315)، والبيهقي في الكبرى: (10/116) وغيرهم.
([57]) التبديل في الحكم في اصطلاح العلماء هو الحكم بغير ما أنزل الله على أنه من عند الله، كمن حكم بالقوانين الفرنسية وقال: هي من عند الله، أو من شرعه تعالى. ولا يخفى أن الحكام بغير ما أنزل الله اليوم لا يزعمون ذلك، بل هم يصرحون أن هذه القوانين محض نتاج عقول البشر القاصرة، والتبديل بِهَذَا المعنى -لا بالمعنى الذي يذهب إليه أهل الغلو- كفر بإجماع المسلمين.
([58]) الفتاوى المصرية (5/14 15).
([59]) انظر إلى عوج أسلوبه وسقم عبارته!
([60]) الرد على العنبري: (17) الطبعة الأولى.
([61]) أخرجه البخاري: (6865)، ومسلم: (155).
([62]) انظر المفهم للقرطبي: (1/294)، وشرح مسلم للنووي: (2/106)، وفتح الباري: (12/197)، والإحسان: (1/382)، (11/56).
([63]) انظر: منهاج السنة (5/243-244-247).
([64]) الرد على العنبري: (15-16) الطبعة الأولى.
([65]) انظر رسالة “إن الله هو الحكم”: (34).
([66]) إن الله هو الحكم: (74-75).
([67]) تبيين كذب المفتري: (27-29).
([68]) انظر: (4/226).
([69]) تعظيم قدر الصلاة: (2/930-931). وحديث الأعرابي ضعيف.
([70]) الدرر السنية: (10/181).
([71]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام: (28/524).
([72]) المصباح المنير: (1/296).
([73]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام: (3/267).
([74]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (3/268).
([75]) الحكم بغير ما أنزل الله، أحواله وأحكامه: (347)، نقله عن مجموع الفتاوى (8/106).
([76]) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (1/137).
([77]) المرجع السابق (2/326).
([78]) تأمل دقة ابن كثير في قوله هنا: “وقدمها عليه”. وقوله في تفسيره -كما سيأتي-: “يقدمونه -يعني: الياسق- على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله الله”. يتجلى لك بوضوح أنه كفر ملوك التتار؛ لأنَّهُم فضلوا الحكم بالياسق على حكم الله ورسوله.
([79]) البداية والنهاية: (13/128).
([80]) تفسير ابن كثير: (2/61).
([81]) تفسير الطبري: (10/358).
([82]) تفسير ابن كثير: (2/64).
([83]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام: (28/523).
([84]) المصدر السابق: (28/523).
([85]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام: (28/522).
([86]) المصدر السابق: (28/521).
([87]) المصدر السابق: (28/521).
([88]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام: (28/521-522).
([89]) تفسير ابن كثير: (2/68).
([90]) أحكام القرآن: (2/624).
([91]) الحكم بغير ما أنزل الله، أحواله وأحكامه: (341).
([92]) المرجع السابق: (347)، نقله عن مجموع الفتاوى: (3/267).
([93]) أحكام القرآن: (2/624).
([94]) الحكم بغير ما أنزل الله، أحواله وأحكامه: (347).
([95]) منهاج السنة (5/131) وتتمة الكلام: “وهذه الآية مما يحتج بِهَا الخوارج على تكفير ولاة الأمر الذين لا يحكمون بما أنزل الله، ثم يزعمون أن اعتقادهم هو حكم الله”. تُرى لم أعرض الخصم عن ذكرها؟!.
([96]) الرد على العنبري (16) الطبعة الأولى.
([97]) الصلاة (33).
([98]) الرد على العنبري (19) الطبعة الأولى.
([99]) انظر: معجم لغة الفقهاء للدكتور محمد رواس قلعجي (86).
ومما يخطئ فيه الكثيرون تفسير مصطلح الانقياد، فإن معناه عند أهل العلم الخضوع للأمر وإن لَمْ يفعل المأمور به، يقول شيخ الإسلام بن تيمية كما في الصارم المسلول (3/967): “كلام الله خبر؛ فالخبر يستوجب تصديق المخبر، والأمر يستوجب الانقياد له والاستسلام، وهو عمل في القلب جماعه: الخضوع والانقياد للأمر، وإن لَمْ يفعل المأمور به، فإذا قوبل الخبر بالتصديق، والأمر بالانقياد، فقد حصل أصل الإيمان في القلب، وهو الطمأنينة والإقرار”.
([100]) تيسير الكريم الرحمن (2/93-94).
([101]) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام بن تيمية: (20/97-98).
([102]) منهاج أهل السنة (5/130).
([103]) مجموع الفتاوى (3/267).
([104]) انظر الصلاة (29-32).
([105]) الرد على العنبري: (9-10) الطبعة الأولى.
([106]) متفق عليه: البخاري: (2953)، ومسلم: (2111).
([107]) المفهم: (5/432).
([108]) السهوة: بيت صغير علقت الستر عليه. كما في فتح الباري: (10/401).
([109]) القرام: الستر الرقيق.
([110]) وفي رواية عند مسلم: أنَّهَا نصبت سترًا فيه تصاوير.
([111]) أي: يشبهون ما يصنعون بما يصنعه الله، كما في فتح الباري.
([112]) متفق عليه: البخاري: (5954)، ومسلم: (2/1668).
([113]) صحيح مسلم بشرح النووي: (13/81). وانظر الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيتمي: (2/33).
([114]) انظر: (6/607).
([115]) رواه مسلم: (2620).
([116]) يعني: الكبر على الله، والكبر على رسوله. ولا شك أنَّهُما كفر.
([117]) الزواجر لابن حجر الهيتمي: (1/72).
([118]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام: (20/97).
([119]) الفصل: (3/302).
([120]) التبديل في مفهوم هؤلاء هو: “مجرد الحكم بالقوانين الوضعية وترك الحكم بالشريعة الإسلامية.
أما التبديل في اصطلاح أهل العلم فهو: الحكم بغير أحكام الله، ثم افتراء الكذب أن هذه الأحكام هي أحكام الله، شرعها لعباده”. وقد مضى بيان ذلك في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وابن العربي.
([121]) انظر لسان العرب مادة: (بدل).
([122]) متفق عليه.
([123]) رواه البخاري: (12/148)، رقم (6830).
([124]) أخرجه البخاري: (12/131) (6819)، ومسلم: (11/208-209)واللفظ له.
([125]) الحكم بغير ما أنزل الله، أحواله وأحكامه: (339) الطبعة الأولى (1420هـ).
([126]) البخاري: (3635)، (4556)، (6819)، (6841)، (7543)، ومسلم: (1699) من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-.
([127]) التحميم: تسويد الوجه بالفحم.
([128]) وهذا هو التبديل على الحقيقة.
([129]) انفرد به مسلم: (1700).
([130]) صحيح البخاري: (4556).
([131]) أحكام القرآن: (2/439).
([132]) الحكم بغير ما أنزل الله، أحواله وأحكامه: (174).
([133]) المرجع السابق: (247).