أحكام مساجد البيوت

البيوتُ من أكبر النعم الإلهية

البيوتُ من أكبر النعم الإلهية، والعطايا الربانية التي امتن بها ربُّنا على البشرية، تَسكن إليها نفوسُهم، وتطمئن فيها قلوبهم، قال تعالى (والله جعل لكم من بيوتكم سكنا).
وأخبر نبينا صلى الله عليه وسلم أن “مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ: الْمَسْكَنَ الْوَاسِع” وقال فيما رواه ابنُ حبان وغيرهُ:
“أربع من السعادة: المرأةُ الصالحة، والمسكنُ الواسع، والجارُ الصالح، والمركب الهنيء

شكر هذه النعمة الكبرى

وإن من شكر هذه النعمة الكبرى، أن يُطاعَ الله فيها ولا يعصى، وأن يُذكرَ ولا يُنسى.
ومما يُعين على ذلك، أن يتخذَ المسلمُ في بيته غُرفةً، يجعلُها مسجداً يُصلي فيه السنن والنوافل، ويقرأُ فيه القرآن، ويذكرُ فيه الربَّ سبحانه، فإذا كان البيتُ ضيقاً، اتخذَ المسلمُ ناحيةً من غرفة، أو جزءا منها، وخصصها لذلك.
ولقد ذكرنا في المقالة السابقة الأدلة الكثيرة، على هذه السُّنة الغائبة عن بيوتِ كثير من المسلمين .
و قد انتشرت مساجدُ البيوت في عهد السلف الصالح، فلقد اتخذوا في بيوتهم المتواضعة، مساجدَ تعينهم على التقرب إلى الله تعالى.
يدل على ذلك قولُ ابن مسعود رضي الله عنه
مَا مِنْكُمْ إِلَّا وَلَهُ مَسْجِدٌ فِي بَيْتِهِ.

للمساجدِ في البيوت ثمراتٌ وفوائد، وآدابٌ وأحكام

عزيزي القارئ: وللمساجدِ في البيوت ثمراتٌ وفوائد، وآدابٌ وأحكام.
إن مساجدَ البيوت تُقوي علاقةَ المسلم بربه، لا سيما في أوقات الفتن، فإن حاجةَ المسلم إلى اعتصامه بربه تَشتدد في أوقات الفتن، بل ليس له مخرج من الفتن إلا أن يعتصم بالله، والناس يغفلون عن العبادة وقتَ الفتن واختلاطِ الأمور، ويشتغلون عنها بالقيل والقال، والتحليلاتِ والتخرصات، وما إلى ذلك مما يزيدُ من نيرانِ الفتنة، ولا يخففها
ولا يتفرغُ للعبادة إلا الموفقون، وفي صحيح مسلم:” قال صلى الله عليه وسلم «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ»”
وهناك آثار عن السلف الصالح تثير العجبَ، من شدة اجتهادهم في عبادةِ ربهم، في مساجد بيوتهم.
فهذا مالكٌ الخثعمي ما يجيء نصفُ الليل إلا وهو في مسجدِ بيته يصلي.
ويُروى عن مسلم بن يسار أنه كان إذا دخلَ مسجدَ بيته يصلي، قال لأهله: تحدثوا فإني لستُ أسمعُ حديثكم، مع أنهم معه في البيتِ نفسِه.
وهذا أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه يجتهد في صلاته حتى إنه مات ساجداً في مسجد بيته.
ولما بلغ اسماءَ بنت عميس قتلُ ولدها محمد بمصر، قامت إلى مسجد بيتها تصلي! تلجأ إلى الله لا إلى الناس.

المساجد في البيوت تساعد على تربية الأولاد

إن المساجد في البيوت تساعد على تربية الأولاد على التدين والعبادة، وتعينُهم على تَعلم الصلاة بطريقةٍ عملية، ولسوف يشعرُ الأبناء: أن الصلاةَ ليست أقل شأنا من الأشياء التي جُعلت لها غرفاً خاصة.
كما أن المساجدَ في البيوت تُحفزُّ على العبادة، وتُذكرُ بصلاة السنن والنوافل، وتُشجع على الخلوة بالحبيب الأعلى سبحانه، والتلذذِ بذكره ومناجاته.
كما أنها تقوي الروابط الأسرية، لا سيما إذا صلى بهم ربُّ البيت جماعة.
ما أجمل أن يسألَ الصغيرُ عن أبيه، فيُقال له: هو في مسجد البيت!
إن المسجد في البيت سيجعل في بيتِك حياةً إيمانية، وسيبتعدُ ببيتك أن يشبه القبور.
فإن القبور لا صلاةَ فيها، فلا ينبغي أن يكون البيتُ للنوم فقط، الذي هو أخٌ للموت
وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً .
وقال زيد بن خالد الجهني: لا تتخذوا بيوتكم مقابر، واتخذوا فيها مساجد .
كما أن المساجد في البيوت ستجعل في البيوت خيرا وبركة، روى مسلم عن جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِذَا قَضَى أَحَدُكُمُ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِهِ، فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلَاتِهِ، فَإِنَّ اللهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلَاتِهِ خَيْرًا»

مساجدَ البيوت تعين المسلمات الطيبات الصالحات

إن مساجدَ البيوت تعين المسلمات الطيبات الصالحات على ذكر الله عز وجل وقراءةِ القرآن، وذلك من أعظمِ مقاصدِ المساجدِ في البيوت
روى مسلم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ جُوَيْرِيَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا
 ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ
 فَقَالَ «مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ، الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا
 قَالَتْ «نَعَمْ»
 قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ
 سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ».

الأحكام المتعلقة بمساجد البيوت

أما عن الأحكام المتعلقة بمساجد البيوت
وهل لها حكم المسجد العام ؟!
فالراجح ما ذهب إليه جماهيرُ أهل العلم، أن مساجد البيوت ليس لها حكمُ المساجد العامة، التي شرع اللهُ لها أحكامًا خاصة.
فلا يُسن للداخلِ إلى مسجد البيت مثلاً أن يصلي ركعتين تحية للمسجد
ولا يكون في مسجدِ البيت اعتكاف، لا للرجال ولا للنساء.
ويجوز أن يمكثَ في مسجد البيت الحائضُ و الجنب.
ويجوز أن يدخله من أكل ثُوماً أو بصلاًكما يجوز بيعُ مسجدِ البيت إذ بِيع البيت، فإن اتخاذ تلك البقعة مكاناً مخصصاً للصلاة في البيت، لم تصيره وقفاً لله يحرم بيعه!
إن مساجدَ البيوت، لا يثبت لها شيء من أحكام المساجد العامة، هذا مذهبُ أكثرِ الفقهاء.ومنع بعضُ العلماء من جلوس الجنب والحائض في مسجد البيت، وهذا ليس بصحيح
وأجاز بعضُ العلماء الاعتكافَ في مسجد البيت للمرأة خاصة.
بل قال الثوري: إن المرأة لا يصح اعتكافُها في غير مسجد بيتها.
واعتكف أبو الأحوص صاحبُ ابنِ مسعود في مسجد بيته.ورخص في الاعتكافِ فيه الشعبي أيضاً.
وهؤلاء الذين أجازوا اعتكافَ المرأة في مساجد البيوت، جعلوا حُكمَ مساجدِ البيوت حكمَ المساجد العامة، وهذا ليس بصحيح.
ولو كان هذا صحيحا لاعتكف أزواجُ النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – في مساجد بيوتهن، وإنما كن يعتكفن في مسجد النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وقد رُوي عن ابن عباس، أنه سُئل عن اعتكاف المرأة في مسجد بيتها؟ فقال: بدعة، وأبغض الأعمال إلى الله البدع، لا اعتكاف إلا في مسجدٍ تقام فيه الصلاة.

وسئل جابر، عن امرأةٍ جعلتْ عليها يعني نذرت أن تعتكف في مسجد بيتها؟
قَالَ: لا يصلح، لتعتكف فِي مسجد؛ كما قال الله: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}.
وأما إقامةُ الجماعةِ للصلوات في مساجد البيوت فلا يحصل بها فضيلةُ الصلاة في المساجد، وإنما حُكمُ ذلك حُكمُ من صلى في بيته جماعة وترك المسجد.

ولكن يُستحب أن يصلي المسلمُ في مسجد بيتهِ ركعتين عند الدخول إلى البيت، وركعتين عند الخروج منه.
لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال «إذا خرجتَ من منزلك إلى الصلاة؛ فصلِّ ركعتين تمنعانِك مخرجَ السوء، وإذا دخلتَ منزلَك فصلِّ ركعتين تمنعانِك مدخلَ السوء»

وكان عطاء الخراساني إذا دخل بيته، لم يضع ثيابه حتى يأتي مسجد بيته، فيصلي فيه ركعتين
ومن السنة أن يصلي المسلمُ النوافلَ والسنن الرواتب في مسجد بيته، وفي صحيح مسلم:قال صلى الله عليه وسلم “مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ

ويُشرع للمسلم أن يصلي في مسجد بيته النوافلَ جماعة بأهلهِ وأولاده، من غير أن يتخذ ذلك عادة، وقد فَعل ذلك أبو مجلز والبراءُ بنُ عازب
كما يُستحبُ للمسلم أن يصلي الاستخارة في مسجد بيته، وثبت في صحيح مسلم أن زينب قامت في مسجد بيتها وصلت صلاةَ الاستخارةِ فيه
كما يُستحبُ للمسلم في مسجد بيته أن يصلي ركعتين بعد الوضوء.
وأيضا صلاةَ الضحى وصلاة التوبةَ وقيامَ الليل.

وذهب جماعةٌ من أهل العلم إلى أن صلاةَ التروايح في مساجد البيوت أفضل، واحتج الشافعي بالحديث الصحيح: “صلوا في بيوتكم، فإن أفضلَ صلاةِ المرءِ في بيته إلا المكتوبة
وقال آخرون من أهل العلم: بل التراويح في المساجد العامة أفضلُ من صلاتها في مساجد البيوت، للحديث الصحيح: “إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرفَ، حُسبَ له قيامُ ليلة

هذه بعضُ أحكام مساجد البيوت
وصلى الله وسلم على نبينا محمدوالسلام عليكم ورحمة الله