كيف تكون صلاتك لذة ومتعة وفرحة؟

كيف نستمتع بصلاتنا؟

لصلاة قرةُ عين، ولذة، ومتعة، وسعادة

الصلاة رحمةٌ من الله مهداة إلى عبيده
هداهم إليها، وعرفهم بها، رحمةً بهم، وإكرامًا لهم
لينالوا بالصلاة شرفَ كرامته، والفوزَ بقربهِ ومحبته.
لا حاجة لله إلى صلاتك، بل الصلاةُ فضلٌ منه عليك، وإحسان منه إليك، وأنتَ المحتاجُ إلى الصلاة، لأنها راحة، ولذة،، ومتعة، وسرور، وسعادة.

إن لم تكن صلاتُك متعة وراحة وسعادة، فلابد أن تطبق ما سوف أقوله:

الصلاة عبادةٌ للقلبِ وللجوارح.
جعلها الله أعظمَ طريقٍ إليه، موصلةً إلى قربه ومناجاته ومحبته والأنس به.
سرُّ الصلاة وروحُها: هو إقبالُ العبد على الله بكليته، فكما أنه لا ينبغي لك أن تصرف وجهك عن القبلة يمينًا وشمالاً, فكذلكك لا ينبغي لك في صلاتك، أن تصرفَ قلبك عن ربك إلى غيره.
لا ينبغي لك أن تصرفَ قلبك عن ربك إلى زوجة أو ولد أو عمل
فالكعبة هي قبلةُ وجهك وبدنِك في الصلاة.
وربُّ الكعبة تبارك وتعالى هو قبلةُ قلبِك وروحِك في الصلاة.
على حسْب إقبالك على الله في صلاتك، يكون إقبالُ الله عليك بمحبته ورضاه،( وألقيتُ عليك محبة مني)
وإذا أعرضتَ عن الله في صلاتك وانشغلت بغيره، أعرض عنك، وحُرمت من التلذذِ بقربه، والتنعم بحبه.

للإقبال على الله في الصلاة ثلاث منازل:

فأقبل على الله بقلبك، بحيثُ تحفظه من الوساوس والخطرات المنقصة لثواب صلاتك.
أقبل على الله بمراقبته حتى كأنك تراه.
أقبل على الله بتدبر معاني ما تقول
بقدر إقبالك على الله في ذلك، يكونُ إقبالَ الله عليك، واستمتاعَك بصلاتِك.

لكل عملٍ ثمرة، وثمرةُ الصلاة:

إقبالُك على الله، وإقبالُ الله عليك.
وفي الإقبال على الله في الصلاة جميعُ ثمراتِ الأعمال الصالحة؛ وفلاحُ الدنيا والآخرة، (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون)
نعم في الصلاة فقط، ولذلك لم يقل النبي ﷺ جعلت قرة عيني في الصوم ولا في الحج والعمرة، وإنما قال: «وجعلتْ قرةُ عيني في الصلاة»
وتأمل لم يقل جُعلتْ قرةُ عيني بالصلاة”
بل قال في الصلاة، إعلامًا بأن عينه، إنما تقر بدخوله في الصلاة، كما تقر عينُ المحب في الدخولِ على محبوبه، وتقرُّ عينن الخائف بدخوله في محلٍ يأمن فيه ويطمئن.
الصلاةُ راحةُ القلب من تعبه ونصبه وتشتتهِ
قال صلى الله عليه وسلم:

يا بلال أرحنا بالصلاة

أي أقمها لنستريح بها، من المتاعب والهموم والشواغل، كما يستريح التعبان إذا وصل إلى منزله، وقرَّ فيه وسكن.
تأمل: قال أرحنا بها، ولم يقل أرحنا منها، كما يقوله المتكلِّفُ غيرُ الخاشع في صلاتهِ، الذي يفعلها وقد امتلأ قلبُهُ بغيرها.
امتلأ قلبه بالدنيا، ومتعها، وزخرفها، ومشاغلها.
فالصلاة قَطعتْه عن أشغاله ومحبوباته، فهو يصلي لأن الصلاةَ فريضةٌ واجبةٌ عليه، لا يفعلُّها حبا وودا وشوقاً وقربا ولذةًً ومتعة، بل يقول بلسان حاله: نصلي ونستريح من الصلاة، لا لنستريحَ بالصلاة، كما قال نبيُّه أرحنا بها يا بلال.

الفرق بين هذا الذي يفعلها، لأنها واجبةٌ عليه فقط، وبين من كانت الصلاةُ لقلبهِ نعيمًا

فالفرق بين هذا الذي يفعلها، لأنها واجبةٌ عليه فقط، وبين من كانت الصلاةُ لقلبهِ نعيمًا، ولعينهِ فرحة، ولجوارحه راحة، ولنفسه لذة.

الفرق أن الأول صلاته تقييدٌ لنفسه

وحبسٌ لها عن مشاغل الدنيا لدقائق معدودة، وهو في صلاتهِ غافلٌ عن الله، لكنه ينال بصلاته هذه التكفيرَ والثواب والرحمة.
لقد دخل على ربه، لكنّ هنالك حاجباً بينه وبين ربه، لذلك لم تقر عينه؛ ولم يستمتع بصلاته، لأنه في حُجُب الشهوات، وو الهوى، فقلبه عليل، ونفسه مشغولةٌ بما تهواه، طالبةٌ لحظها العاجل.

والثاني المُقبل على الله

فصلاته بستانٌ لقلبه، وقرةٌ لعينه، ولذةٌ لنفسه، فهو في صلاته يتقلب في النعيم.
دخلَ على ربه، ورفعَ الستر بينه وبينه، فقرت عينه واطمأنت نفسه، ورقَّ قلبُه، وخشعتْ جوارحُه، وعَبَد الله كأنه يراه.
فصلاته توجب له القرب والأُنسَ وعلوَّ المنزلة عند الله

الصلاة قرةُ عين المحبِ لله في هذه الدنيا

فالصلاة قرةُ عين المحبِ لله في هذه الدنيا، لما فيها من مناجاةِ من لا تقر العيون إلا به، ولا تطمئن القلوب إلا به، ولا تسكن النفوس إلا إليه.
فالمحبُّ راحتُه وقرةُ عينه في الصلاة.
والغافلُ المعرض ليس له نصيب من ذلك، بل الصلاةُ كبيرةٌ شاقةٌ عليه، إذا قام فيها، كأنه على الجمر، حتى يتخلصَ منها.
أحبُّ الصلاة إليه أعجلُها وأسرعُها، فإنه ليس له قرةٌ عينٍ فيها، ولا لقلبهِ راحةٌ بها.
والمتكلِّفُ في الصلاة، فارغُ القلبِ من الله والدار الآخرة، المبتلى بمحبة الدنيا أشقُّ ما عليه الصلاةُ، وأكرهُ ما إليه طُولُها معع تفرغهِ وصحتهِ وعدمِ اشتغالِه.

ربما يسأل سائل كيف نصلُّ إلى هذه الصلاة، التي تقرُّ بها العين، ويستريح بها القلب.

كيف نصلي صلاة المحبين؟

ذكر ابنُ القيم أن هذه الصلاة، هي التي تجمع ستةَ مشاهد:

المشهد الأول: الإخلاص

يعني أن يكون الحاملُ لك على الصلاة، والذي يدعوك إليها رغبتُك في الله، ومحبتُك لله، وطلبك لمرضاتهِ وللقربِ منه، والتوددُ إليه، وامتثالُ أمره تعالى، بحيث لا يكون الباعثُ لك على الصلاةِ، حظًا من حظوظ الدنيا، أو لكي يُقال: إنك من المصلين.
بل تأتي بالصلاة ابتغاءَ وجه ربك الأعلى، محبةً له، وخوفًا من عذابه، ورجاء لمغفرته وثوابه.

المشهد الثاني: مشهد الصدق:

وهو أن تفرغَ قلبك أثناء الصلاة لله ، وأن تستفرغ جهدك في إقبالك فيها على الله، فاجمع قلبك على الصلاة
وقُم بها على أحسن الوجوه وأكملِها ظاهرًا وباطنًا
فإن الصلاةَ لها ظاهر وباطن
فظاهرُها: الأفعال المشاهدة، والأقوال المسموعة.
وباطنُها: الخشوعُ لله، والمراقبةُ لله، وتفريغُ القلب لله، والإقبالُ بكلِّ قلبك على الله، بحيث لا يلتفتُ قلبُك عن الله إلى غيره.
فهذا الباطنُ، بمنزلةِ الروحِ للصلاة.
والأقوالُ والأفعالُ، بمنزلة البدن.
فإذا خلت الصلاة من الروح، إذا خلت من الخشوع والإقبالِ على الله، كانت كبدن لا روحَ فيه.
أفلا تستحي أيها المصلي أن تواجه سيدك ومولاك بصلاة لا رُوح فيها ولا خشوع.

المشهد الثالث: مشهد المتابعة والاقتداء:

يعني أن تحرص كل الحرص على الاقتداء في صلاتك بالنبي ﷺ وتصلي كما كان يصلي.
وأن تعرضَ عما أحدثَ الناسُ في الصلاة، من الزيادة والنقصان والأوضاع والهيئات والحركات والكلمات، التي لم يُنقل عنن سيد المصلين رسول الله r شيءٌ منها، ولا عن أحدٍ من أصحابه، وقد قال كما في صحيح البخاري، صلوا كما رأيتموني أصلي.
فإن الله سبحانه إنما أمر بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم واتباعهِ وحده.
وكل أحد سوى الرسول صلى الله عليه وسلم فمأخوذ من قوله ومتروك.
(تعليق ارتجالي في ذكر بعض الكتب)

المشهد الرابع: مشهد الإحسان،

أو مشهد المراقبة، وهو أن تصلي لله كأنك تراه، وهذا المشهد إنما ينشأ من كمال الإيمان بالله وأسمائه وصفاته، حتى كأنك في صلاتك ترى الله سبحانه فوق سمواته مستويا على عرشه، يتكلمُ بأمره ونهيه، ويدبر أمر الخليقة، فتشهد ذلك كلَّه بقلبك، وتشهد أسماءه وصفاتِه، وتراه قيومًا حيًا سميعًا بصيرًا عزيزًا حكيمًا آمرًا ناهيًا يحب ويبغض ويرضى ويغضب ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وهو فوق عرشه لا يخفى عليه شيء من أعمالِ العباد ولا أقوالهِم ولا بواطِنهم، بل يعلمُ خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
وحظ العبد من القرب من الله على قدر حظه من مقام الإحسان، وبحسبه تتفاوتُ الصلاة، حتى يكونَ بين صلاة الرجلين منن الفضل، كما بين السماء والأرض، وقيامهُما وركوعَهُما وسجودهما واحد.

المشهد الخامس: مشهد المنة:

وهو أن تشهدَ في صلاتك أن المنة لله سبحانه عليك، كونه جعلك تصلي بين يديه، فالله هو الذي أقامك للصلاة، ويسرك للصلاة، ووفقك لقيام قلبك وبدنك في خدمته، وحرمَ غيرك، فلولا الله سبحانه لم يكن شيء من ذلك، كما كان الصحابة يَحْدُون بين يدي النبي ﷺ فيقولون:
والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
قال تعالى }يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *{{ [الحجرات: 17].
فالله سبحانه هو الذي جعل المسلمَ مسلمًا والمصلي مصليًا كما قال الخليل:
}رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ{ [البقرة: 128]

وقال }رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي{ [إبراهيم: 40].
فالمنة لله وحده في أن جعلك مصليا قائمًا بطاعته, وهذا من أعظم نعمهِ عليك
}وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ{ [النحل: 53] وقال:
}وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ{ [الحجرات: 7].

المشهد السادس: مشهد التقصير:

فمهما اجتهدت في صلاتك غاية الاجتهاد، وبذلت وِسعك في أدائها، كما يحبُ ربنا ويرضى، فأنت مقصر، وحقُّ الله سبحانه عليك أعظم
هذه هي مشاهد الصلاة، التي من أتى بها وحققها، قرت عينه، وفرحت نفسه، وابتهجَ قلبه، واستمتع بصلاته وتلذذ بها