تفسير اللون الأخضر في المنام رؤيا عبد الله بن سلام

باب الْخُضْرِ فِى الْمَنَامِ وَالرَّوْضَةِ الخضراء .

7010 – حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِىُّ حَدَّثَنَا حَرَمِىُّ بْنُ عُمَارَةَ حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ قَالَ قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ كُنْتُ فِى حَلْقَةٍ فِيهَا سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ وَابْنُ عُمَرَ فَمَرَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ فَقَالُوا هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّهُمْ قَالُوا كَذَا وَكَذَا . قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا كَانَ يَنْبَغِى لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا مَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ ، إِنَّمَا رَأَيْتُ كَأَنَّمَا عَمُودٌ وُضِعَ فِى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ ، فَنُصِبَ فِيهَا وَفِى رَأْسِهَا عُرْوَةٌ وَفِى أَسْفَلِهَا مِنْصَفٌ – وَالْمِنْصَفُ الْوَصِيفُ – فَقِيلَ ارْقَهْ، فَرَقِيتُ حَتَّى أَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « يَمُوتُ عَبْدُ اللَّهِ وَهْوَ آخِذٌ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى »

قَوْلُ البخاري: بَابُ الْخُضْرِ فِي الْمَنَامِ وَالرَّوْضَةِ الْخَضْرَاءِ

الْخُضْرُ بِضَمِّ الْخَاءِ جَمْعُ أَخْضَرَ وَهُوَ اللَّوْنُ الْمَعْرُوفُ، وهو جيد في الأحلام، إذ يفسر بالأرزاق والورع والدين وصحة البدن وحُسن العاقبة، كما يعبر بالأمن من الفلس والقحط والظلم والمرض، أما الرَّوْضَةُ فتُعْبَرُ بِالْإِسْلَامِ أو بالأعمال الصالحة لِنَضَارَتِهَا وَحُسْنِ بَهْجَتِهَا، وَتُعْبَرُ أَيْضًا بِكُلِّ مَكَانٍ فَاضِلٍ، وَقَدْ تُعْبَرُ بِالْمُصْحَفِ وَكُتُبِ الْعِلْمِ والحكمة من قولهم: الكتبُ روضةُ الحكماء ونزهةُ العلماء، وربما دلت الروضة على بشارةٍ بالجنة، أو بالسعادة والحياة الطيبة في الدنيا، والله أعلم.

وقَوْلُ راوي الحديث:

وهو قَيْسِ بْنُ عُبَادٍ كُنْتُ فِى حَلْقَةٍ فِيهَا سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ (هو سعد ابن أبي وقاص) قال: وَابْنُ عُمَرَ فَمَرَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ فَقَالُوا هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّهُمْ قَالُوا كَذَا وَكَذَا . قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا كَانَ يَنْبَغِى لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا مَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ

وقد أخرجَ الحديثَ بتفاصيلَ أكثرَ مسلمٌ في باب فضائل عبد الله بن سلام رضى الله عنه عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: كُنْتُ بِالمَدِينَةِ فِى نَاسٍ، فِيهِمْ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِىِّ ﷺ، فَجَاء رَجُلٌ فِى وَجْهِهِ أثَرٌ مِنْ خُشُوعٍ. فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ. فَصَلَّىَ رَكْعَتَيْنِ يَتَجَوَّزُ فِيهِمَا، ثُمَّ خَرَجَ فَاتَّبَعْتُه، فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ، وَدَخَلْتُ. فَتَحَدَّثْنَا، فَلمَّا اسْتَأنَسَ قُلْتُ لَهُ: إنَّكَ لَمَّا دَخَلْتَ قَبْلُ، قَالَ رَجُلٌ كَذَا وَكَذَا. قَال: سُبْحَانَ اللهِ، مَا يَنْبَغِى لأَحدٍ أَنْ يَقُولَ مَا لا يَعْلَمُ، وَسَأحَدِّثُكَ لِمَ ذَاكَ؟ رَأيْتُ رُؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَصَصْتُها عَلَيْه، رَأيْتُنِى فِى رَوْضَةٍ – ذَكَرَ سَعَتَهَا وَعُشْبَهَا وَخُضْرَتَها – وَوَسْطَ الرَّوْضَةِ عَمُودٌ مِنْ حَدِيدٍ، أسْفَلُهُ فِى الأَرْضِ وَأَعْلاهُ فِى السَّمَاء، فِى أَعْلاهُ عُرْوةٌ. فَقِيلَ لِى: ارْقَهُ،(يعني اصعد) فَقُلْتُ لَهُ: لا أَسْتَطِيعُ. فَجَاءَنِى مِنْصَفُ – يعني الخَادِمُ – فَقَالَ بِثِيابِى مِنْ خَلْفِى – يعني _ أَنَّهُ رَفَعَهُ مِنْ خَلْفِهِ بِيَدِهِ فَرَقِيتُ حَتَّى كُنْتُ فِى أَعْلَى العَمُودِ، فَأَخَذْتُ بِالعُرْوَةِ، فَقِيلَ لِىَ: اسْتَمسِكْ.( وفي رواية فَإِذَا أَنَا مُتَعَلِّقٌ بِالْحَلْقَةِ ثُمَّ ضُرِبَ الْعَمُودُ فَخَرَّ وَبَقِيتُ مُتَعَلِّقًا بِالْحَلْقَةِ حَتَّى أَصْبَحْتُ)  فَلَقَدِ اسْتَيْقَظْتُ وَإِنَّها لَفِى يَدِى، فَقَصَصتُها عَلَى النَّبِىِّ ﷺ ، فَقَالَ:” تِلْكَ الرَّوْضَةُ الإسْلامُ، وَذَلِكَ العَمُودُ عَمُودُ الإسْلامِ، وتِلْكَ العُرْوَةُ عُرْوَةُ الوُثْقَى، وَأَنْتَ عَلَى الإسْلامِ حَتَّى تَمُوتَ “.

قَالَ: وَالرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ.

وَإِنَّمَا قَالَ عبد الله بن سلام “مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا مَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ” عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ وَكَرَاهَةَ أَنْ يُشَارَ إِلَيْهِ بذلك، وَثبت فِي رِوَايَةٍ أنه قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ وَسَأُحَدِّثُكَ مِمَّا قَالُوا ذَلِكَ فَذَكَرَ الْمَنَامَ. وَهَذَا يُقَوِّي احْتِمَالَ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِمُ الْجَزْمَ بأنه من أهل الجنة وَلَمْ يُنْكِرْ أَصْلَ الْإِخْبَارِ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَهَذَا شَأْنُ الْمُرَاقِبِ الْخَائِفِ الْمُتَوَاضِعِ.

وشهادة هؤلاء لعبد الله بن سلام أنه من أهل الجنة وليس فى الحديث أنه من أهل الجنةِ صراحةً، إلا أنه أخبر أنه يموت على الإسلام والاعتصامِ بعروته الوثقى، ففي ذلك حجةٌ لأهل السنة، أنه من مات على الإسلام فمآلُه الجنة وإن كان من العصاة، وأمره بعدُ إلى الله تعالى، إن شاء عاقبه قبل دخوله الجنة، فيدخله النارَ فترةً تطول أو تقصر، وإن شاء عفا عنه، وأدخله الجنة إبتداء، والمقصود أن من مات على الإسلام لا يُخلد في النار أبد الآباد، كما لا يُقطع لأحدٍ بعينه بالجنة إلا لمن أخبر النبى ﷺ ، أنه مات على الإسلام، وأنه من أهل الجنة،  إذ الأعمال بالخواتيم، والخواتيمُ مغيبة عنا.

وعبد الله بن سلام من علماء اليهود وأحبارهم،

وكانوا كما قال الله عز وجل: (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) فمنهم من آثر الله والدار الآخرة، ومنهم من آثر الدنيا وأطاع داعي الحسد والكبر.
فكان ابن سلام ممّن أسلم مبكراً، ولنَدَعه يروي قصّة لقائه بالنّبي ﷺ كما في الحديث الذي رواه الترمذي: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ المدينة انْجَفَلَ النَّاسُ قِبَلَهُ، وَقِيلَ:قد قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، ثَلاثًا، فجِئْتُ في النَّاسِ لأَنْظرَ، فلمَّا تَبيَّنْتُ وجْههُ عرَفتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فكان أوَّلُ شيْءٍ سمعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ:” يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ

ويذكر ابنُ سلام في قصةِ إسلامه أنه قال للنبي ﷺ: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمها إلا نبي، فلما أجابه عليه السلام قال:

قال: أشهد أنك رسول الله.ثم قال: يا رسول الله، إن اليهود قوم بهت; وإنهم إنْ يعلموا بإسلامي بهتوني، فأرسلْ إليهم، فسَلْهُمْ عنِّي. فأرسل إليهم. فقال: “أي رجل ابن سلام فيكم؟” قالوا: حَبْرُنا وابن حبرنا، وعالمنا وابن عالمنا.
قال: “أرأيتم إن أسلم، تسلمون؟” قالوا: أعاذه الله من ذلك!
قال: فخرج عبد الله، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله ; وأن محمدًا رسول الله.
فقالوا: شرُّنا وابن شرِّنا; وجاهلنا وابن جاهلنا.

وهو ممن يؤتون أجورهم مرتين؛ لقوله : “ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيِّه وآمن بمحمد
وفي عبد الله بن سلام- نـزل قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: 43]. فعلى رأي بعض المفسرين أن الذي عنده علم من الكتاب هو عبد الله بن سلام.

وتوفي بالمدينة سنة ثلاث وأربعين.