انتهى بنا القولُ إلى الباب الرابع عشر من كتاب التعبير وإلى الحديث رقم سبعةِ آلاف وخمسة من صحيح البخاري، وفيه يقول:

بابٌ الحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

7005 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ الأَنْصَارِيَّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ وَفُرْسَانِهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، يَقُولُ: «الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ، وَالحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمُ الحُلُمَ يَكْرَهُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْهُ، فَلَنْ يَضُرَّهُ»

قولُ البخاري بَابٌ الحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ أي هذا بابٌ لبيان أحكامِ الأحلام المكروهة وآدابها،والحُلُمُ أو الحُلْم هو ما يراه النائم في منامه حسنًا كان أو مكروها، وأراد به البخاري هاهنا ما يُكره من المنام، وقوله “الحلم من الشيطان” فالحلم خلقه الله في عقل النائم، والشيطان ليس بخالق، لكن الله أذن له أن يُخيل للإنسانِ بالأحلام السيئة التي تخوفه وتحزنه، فلا يكون شيء في الكون إلا بأمر الله عز وجل وإذنه! أما الرؤيا (بألف التأنيث) فمخصصةٌ للمنام أيضا، والرؤيةُ (بالتاء المربوطة) مخصصةٌ لليقظة. وظاهرُ قولهِ ﷺ: “الرؤيا من الله والحُلم من الشيطان " أن الرؤيا الحسنةَ المبشرةَ تُضاف إلى الله ولا يقال لها حُلم، وأن الكوابيسَ المكروهةَ السيئةَ تُضافُ للشيطان ولا يقال لها رؤيا، والحق أن ذلك التفريقَ مما جاءت به الشريعة، فكلُّ ما يراه الإنسان في منامه يُسمَّى في لغةِ العرب رؤيا ويسمى حُلْما أيضا، بل هو كذلك في لغةِ الشريعة، فقد جاء في بعض الأحاديث " الرؤيا ثلاث " فأطلق ﷺ على كل الأنواع اسمَ رؤيا، وباختصار: فالرؤيا والحُلم عبارةٌ عَمَّا يراه النائم في نومهِ من من خير أو شر، لكنْ غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن، وغلبَ الحلمُ على ما يراه من الشر والأمر السيئ، ويُستعمل كلُّ واحدٍ منهما في موضعِ الآخر.

قال ابن الأثير:

الرؤيا والحلم عبارةٌ عما يراه النائم في نومه من الأشياء، لكن غلب الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء والحسن، وغلب الحلم على ما يراه من الشر والقبيح.

ولربما يسألُ سائلٌ : بأنه قد تقرر في عقيدةِ أهل السنة والجماعة أنه لا خالقَ للخيرِ ولا للشرِ غيرُ اللهِ، كما قال الله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الزمر: 62]

فلماذا أضاف الحُلمَ للشيطان في قوله:( والحلم من الشيطان ) مع أن الله هو الذي خلق الحُلم، فالجواب: أن النبي عليه السلام سمى السيئةَ المكروهةَ حلمًا وأضافها إلى الشيطان؛ لأنه هو الذي يخيلُ بها، إذ يتدخلُ في المنامات تدخلاً من نوعٍ ما، لا نعلمه كنهَه ولا كيفيتَه، فهو مجردُ تخييلٍ وكيدٍ ومكرِ من الشيطان، ولا حقيقةَ له في نفسِ الأمر، وأضاف النبى ﷺ ما كان حسنا أو مبشراً إلى الله وأسماه رؤيا، تأدبا مع الله سبحانه، فإنه لا يُضافُ إلى الله تعالى إلا الطيبُ ، أما غيرُ الطيب فيضافُ إلى غيره، كما قال إبراهيمُ: (الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين).

أما آدابُ الرؤيا المكروهةِ المزعجةِ،

فقد بين هذا الحديثُ الذي نشرحه أدبين من آدابها العشرة ، وذلك في قوله ﷺ:«فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمُ الحُلُمَ يَكْرَهُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْهُ، فَلَنْ يَضُرَّهُ»

أما بقيةُ الآداب العشرة فقد ثبتت في أحاديثَ أخرى، ها نحن نُجملها في هذه الحلقة:

1.        الاستعاذة بالله من شر الحلم السيئ.

2.      الاستعاذة من الشيطان ثلاثًا؛ لأنَّ الحلم المكروه من الشيطان، فهو الذي يخيِّل بِه لتحزين الإنسان والتهويل عليه.

3.      أن يتعوذَ بالتعويذة الواردة في الحديث الصحيح، وهي: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون”

4.      التفلعن اليسار، والتفل: نفخ معه ريق لطيف على الأرجح؛ وذلك تحقيرا للشيطان الذي حضر الرؤيا المكروهة ، ومن ثم فلا يخافُ الحالم.

5.      التحول عن الجنب الذي كان عليه، ولعل هذا للتفاؤل بالتحول لحال أفضل.

6.      الصلاة، فإذا استيقظ المسلم بعد الحلم المزعج يستحب له أن يصلى ركعتين أو أكثر، لما في الصلاة من التوجه إلى الله واللَّجَأ إليه؛ وفي الصلاة طمأنينة وأمان من كل ما يخاف منه الإنسان ، لقرب المصلي من ربه عند سجوده، واعتصامه بربه .

7.      أن يسأل الله من خير ما رأى، فربما حمل الحلم المكروه خيرا له وهو لا يدري، جاء في بعض الروايات" وليسأل الله من خيرها" يعني من الرؤيا المكروهة.

8.      أن لا يفسر الحلم المكروه لنفسه؛ لأن الرؤيا تقع على ما تعبر به!

9.      أن لا يبالي بالحلم المكروه، وأن يستيقن أنه لن يضره، كما قال عليه السلام" وليعلم أنها لن تضره"

10.    ألاَّ يُحَدِّث بِالحلم المفزعِ أحدًا، لكي لا تحدث تأثيرًا في نفوس سامعيه، وقد سبق أن أوضحنا أن للكلمات السلبية تاثيرا في جلب الأحداث السيئة كما أن البلاء موكول بالمنطق كما بيناه سابقا، لكن يجوز ذكرُ الرؤيا السيئة المكروهة للعالمِ المعبرِ دون الجاهل، لأن العالم بفن التعبير سيفسرها له على الخير مهما أمكنه، وإلا سكت عن تأويلها وأرشد الحالمَ لما ينفعه، وهذا ما نقومُ به في برنامج رؤيا في نور دبي وفقَ منهج علمي يرعَى أصولَ علم التعبير وقواعدَه ودون تكلف ولله الحمد والمنة.