البلاء موكل بالمنطق

هل للكلماتِ السلبية من تأثيرٍ سلبيٍ على مستقبل الإنسان وحالتهِ الصحيةِ والنفسية والمادية؟

وهل لتفسيراتِ الأحلامِ السيئةِ من أثرٍ سلبيٍ على مستقبلِ  الإنسان؟

ولماذا أمرَ النبي عليه السلام بأن تعبرَ الأحلامُ  على الخير لا على الشر؟

وهل تقعُ الرؤيا على ما تعبرُ به من تفسيراتٍ سيئة؟

أبادر بذكر بعض الأثار المتعلقة بهذا الموضوع الخطير جدا

فيقول ابن مسعود رضي الله عنه:

«لا تستشرفوا البلية، فإنها مولعة بمن يشرف لها، إن البلاء مولع بالكلم»

ويقول إبراهيم النخعي

«إني لأجد نفسي تحدثني بالشيء، فما يمنعني أن أتكلم به إلا مخافةَ أن أبتلى به».

ومن الأحاديث الضعيفة: «البلاء موكول بالمنطق»، وفي رواية أخرى: « البلاء موكول بالقول»، وفي رواية ثالثة أخرى: « البلاء موكول بالكلام»،

هذا كله من الأمثلة السائرة، وهو صحيح المعنى، لكنه بالنسبة لرفعه وسنده ضعيف جدًّا، وحكم عليه بعضُ نقاد الحديثِ بالوضع؛ ومن ثم فلا يجوز نسبته للرسول الكريم ﷺ، وفي معناه حديث آخر لا أصل له: «ألسنةُ الخلقِ أقلامُ الحق».

على أن هذه الآثارَ قد جرت على ألسنةِ علماءِ الإسلام مقرين صحةَ معناها واستقامةَ فحواها،

ومن أمثلة ذلك ماذكره كثير من المفسرين في قوله تعالى على لسان يعقوب ( وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ) وكأنه لقن أبناءَه الحجة، فابتُلي من ناحية هذا القول، حيث قالوا: أكله الذئب،

كما قال لأولاده عندما أخذوا بنيامين أخي يوسف: ﴿ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ﴾ [يوسف: 66] إلا أن تُغْلبوا عليه فلا تستطيعوا تخليصه فابتلى أيضا بذلك وأحيط بهم ولم يرجع بنيامينُ إليه.

وقد ثبت في الصحيحين في قصة المتلاعنين وقد سأل الزوج: يا رسول الله أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟.. فلما انْصَرَفَ، أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، فَقَالَ: مَا ابْتُلِيتُ بِهَذَا الْأَمْرِ إِلَّا لِقَوْلِي…».
قال ابن الْعربي في التعليق على هذا الحديث: وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون اتَّفَقَ أَنَه وَقَعَ فِي نَفْسه إِرَادَة الاطِّلَاع عَلَى الْحُكْم فَابْتُلِيَ بِهِ، كَمَا يُقَال: الْبَلَاء مُوَكَّل بِالْمَنْطِقِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ: إِنَّ الَّذِي سَأَلْتُك عَنْهُ قَدِ ابْتُلِيت بِهِ.

وقد رُوي عن مجنون بني عامر قال:
فلو كنتُ أعمى أخبطُ الأرضَ بالعصا.. أصمَّ ونادتني أجبتُ المناديا
فعمي وصُم

وهكذا نجد أن للكلمات السلبية تأثيرا سلبيا،

وأن البلاء موكل بالمنطق السيئ والكلام السلبي، ولذلك حفلت نصوص الكتاب والسنة بأمر الناس بالقول الحسن والكلمة الطيبة، ونهت عن الكلمات الخبيثة والألفاظ الشنيعة،

ففي القرآن الكريم (وقولوا للناس حسنا) (وقولوا لهم قولا معروفا) (وقولوا قولا سديدا)

ولذلك تعود أهلُنا في الإمارات إذا سئلوا عن مريض قالوا هو بخير وصحة وعافية، أما أهلُنا في مصر فإذا سُئِلوا عن مريض قالوا: هو بعافية، ويتحاشون القول بأنه مريض، كما تعود أهلُنا في المغرب أن يسموا النارَ عافية، وذلك من باب التفاؤل بحسن العاقبة والشفاء والعافية! واجتنابا للألفاظ السلبية والكلمات المحبطة.

وهكذا كان العرب من قبل ففي حديث أبي سعيد المتفق على صحته، قال: «كُنَّا فِي مَسِيرٍ لَنَا، فَنَزَلْنَا، فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ فَقَالَتْ:” إِنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ سَلِيمٌ “.» وَكان قد لُدغ.. فجاءت تطلب من يرقيه، وسمته سليمًا رجاءَ سلامتهِ!

فالصحة في لسانك كما يُقال، برهان ذلك:
حديث ابن عباس: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ. فَقَالَ: لَا بَأْسَ عَلَيْكَ، طَهُورٌ إن شَاءَ اللَّه. فقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: طَهُورٌ؟! كَلَّا، بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ، عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، كَيْمَا تُزِيرَهُ الْقُبُورَ! قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: فَنَعَمْ إِذًا»وقد أَخرجه الطبراني والدولابي، وَفِي آخِره: «أما إذا أبيت فهو كما تقول، وما قضى الله من أمر فهو كائن. قال: فما أمسى الرجل من غد إلا ميتًا»

كما أن الكلماتِ التي تتكلمُ بها لتعيبَ الناس،

وتذمَّهم، وتسخرَ منهم، وتستهزئَ بهم – لها تأثيرٌ في جلب ما تعيبُ به الناسَ وما تذمُّهم به إلى نفسك، وإلى عالمك الخاص! وهو أمر جربه الناس!

ومن أمثال العرب في هذا: «لا تسخر من شيء فيحور بك»!أي: يرجع عليك ويحل بك،
ومثلُه قولُهم: «لا تُظهر الشماتةَ بأخيك فيعافيه الله ويبتليك».
وفي المثل المغربي: «الذي يعيب في الصباح يلحقه في العشية».

وقد ذُكر أنه«اجتمع الكسائي واليزيدي (وهما من كبار القراء) عند الخليفة هارون الرشيد، فحضرت صلاة، فقدموا الكسائي يصلي، فارتج عليه قراءةُ ﴿قل يا أيها الكافرون﴾!وغلط فيها!
فقال اليزيدي: قراءةُ ﴿قل يا أيها الكافرون﴾ ترتج على قارئ الكوفة؟! فحضرت صلاةٌ أخرى، فقدموا اليزيدي يصلي بهم، فارتج عليه في «الحمد»، وأخطأ في فاتحة الكتاب، فلما سلم قال:

احفظ لسانك لا تقولُ فتبتلى .. إن البلاءَ موكل بالمنطق

إذن فللكلماتِ السلبيةِ تأثيرٌ سلبيٌ على حياة الإنسانِ وصحتهِ ومستقبله، ومن ثَم فلا ينبغي أن نتكلم إلا بخير وما يعود علينا بالنفع، لأن البلاء موكول بالمنطق!