لماذا نحمد الله عندما نرى رؤيا صالحة ؟(قوة الشكر)

شرح الحديث الثاني من بَاب الرُّؤْيَا مِنْ اللَّهِ من كتاب التعبير من صحيح البخاري، ورقمه  6985
قال البخاري رحمه الله:حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ اللَّهِ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا وَلَا يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ

أوضحَ النبيُّ ﷺ في هذا الحديث أدبين من أداب الرؤيا الصالحة،

فقال:“إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ اللَّهِ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا
وقد روى مسلمٌ من حديث أبي قتادة: ((فَإِنْ رَأَى رُؤْيَا حَسَنَةً فَلْيُبْشِرْ، وَلا يُخْبِرْ إِلاَّ مَنْ يُحِبُّ)) .

فهذه ثلاثة آدابٍ،

نستفيدها من هذين الحديثين، فيستحبُّ إذن لمن رأى رؤيا صالحة:

  • أن يحمد الله عليها .
  • وأن يستبشر بِهَا .
  • وأن يتحدث بِهَا لمن يحب دون من يكره .

فالأدب الأول

أن يحمدَ الله عليها أي فليشكرَ الله عليها،  حيث أراه في منامه رؤيا حسنةً طيبةً ولم يُره ما يُخوفه أو ما يُحزنُهُ من الأحلام المكروهة والكوابيس المزعجة، ويشكرُهُ عليها، لأن الرؤيا الحسنةَ تبشره بنعمةٍ سوف تأتي إليه ويستمتعُ بها، والرائي حين يشكر ربه سبحانه، فإنه سينتفع بنعمة الشكر، فشكرُ الله قوةٌ يستجلب بها الإنسانُ المزيدَ من النعم والخيرات والبركات في حياته، كما قال ربنا: (ولئن شكرتم لأزيدنكم) وفي دراسةٍ حديثةٍ تَبين أن الشكرَ لله وللناس يؤدي إلى السعادة وتقليلِ الاكتئاب وزيادةِ المناعة ضد الأمراض!

ولقد قامَ العلماءُ بتجاربَ كثيرةٍ لدراسة تأثير الشكر على الدماغ ونظام المناعة والعمليات الدقيقة في العقل الباطن، ووجدوا أن للشكر تأثيراً محفزاً لطاقة الدماغ الإيجابية، مما يساعد الإنسان على مزيد من الإبداع وإنجاز الأعمال الجديدة، وفي تجارب بعض الباحثين على الطلاب وُجدَ أن الشكر يؤدي إلى السعادة وإلى استقرار الحالة العاطفية وإلى صحة نفسية وجسدية أفضل، فالطلاب الذين يمارسون الشكر كانوا أكثر تفاؤلاً وأكثر تمتعاً بالحياة، كما أن مناعتَهم أفضل ضد الأمراض، وكذلك فإن مستوى النوم لديهم أفضل!

وأكد العلماءُ أن للشكر تأثيراً مذهلاً في حياة معظم المبدعين، وأن الشكرَ أسهلُ الطرق للنجاح والنماء والتميز، وله قوةٌ هائلةٌ في علاج المشاكل، وأن المشاعر السلبية تقف حاجزاً بينك وبين النجاح.

إن هؤلاء العلماء وهم غير مسلمين لم يدركوا أهمية الشكر إلا حديثاً، أما الإسلام فسبق وجعل الشكر جزءاً مهماً يمارسه المؤمن عبادةً وطاعةً وقربةً لله عز وجل

فالمسلم يبدأ صباحه بالشكر لله،

قائلاً حينَ يستيقظُ كما ورد في السنة الصحيحة “الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور” ويبدأ صلاته في كل ركعة بعد البسملة ب (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، ويحمدُ الله في دُبر الصلوات الخمس وعند نومه ثلاثا وثلاثين مرة، إلى غير ذلك مما ورد في الأذكار النبوية.

بل حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على أن نشكر الناس باستمرار على أي معروف يؤدونه لنا، فقال: (لا يشكر الله من لا يشكر الناس) [رواه الترمذي].

ومن شكر الناس، شكر الزوجة لزوجها! ويقول الباحثون إن حياتك الزوجية تكون سعيدة وهانئة بمجرد أن تمارسَ الشكرَ لزوجتك وتشعرَها بامتنانك لها… كما تؤكدُ دراسةٌ أن النساء اللواتي يشكرن أزواجهن يكنّ أكثر سعادة ويعشن عمراً أطول!

وتؤكد دراسةٌ نُشرت في بعض المجلات الغربية أن المرأة يمكن أن تعيشَ حياةً هانئةً ومطمئنةً بمجرد أن تقدمَ الشكر لزوجها. فصلى الله وسلم على من قال: (لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه)

بل إن الشكرَ ينجي من المهالك والمشاكل والهموم والأحزان، ألم تسمع قوله تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ * نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ) [القمر: 34-35].

وهكذا نرى أن صاحب الشريعة حين يأمرنا بحمد الله وشكره عندما نرى رؤيا صالحة نستيقنُ أن الإسلام لا يغني عنه شئ، بينما يغنيك الإسلامُ عن كل شئ، ونستيقن أن محمداً لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.