لكل واحد من اسمه نصيب

تحدثنا عن تأثير الكلمات في تغييرِ مجرى الحياة، وبناء المستقبل، وجلب السعادة أو الشقاوة، والصحة أو المرض، والثراء أو الفقر!

وأن جميع ذلك بإذن الرب تعالى ومشيئتهِ، ومرتبطٌ بالقدرِ خيرهِ وشره.

وإذا كان للكلمات تأثيرٌ، فالأسماءُ كذلك لها تأثيرٌ قوي في أصحابها، وفيمن يتعاملُ معهم، نفعًا وضرًا، إيجابًا وسلبًا، يسرًا وعسرًا، فرجًا وكربًا، فرحًا وحزنًا،

فهناك علاقةٌ بين الاسم وبين صفاتِ الإنسانِ وطبائعهِ ومزاجهِ ومستقبلهِ،

كما أن هناك ارتباطاً بين أسماء الشعوب والقبائلِ وطبائعِ أفرادها وخصالِهم وأحوالهم،

إنَّ كل ما في الكون أبدعه الله وقدره تقديرًا محكمًا، ومن ثم فلا مصادفةَ في اختيارِ أسماءِ الشخوص والشعوب والقبائل والقرى والمدن! وفي كتاب الله: ﴿إنا كلَّ شئ خلقناه بقدر﴾ [سورة القمر: 49].

فثمة ارتباطٌ كبيرٌ بين الأسماء والمسميات،

ولطالما دلت الأسماءُ على الشخصيات، وما لها من صفاتٍ وأمزجةٍ وطبائعَ، وما يُتوقعُ منها من مواقفَ وردودِ أفعالٍ وتصرفات، وفي أمثالنا الدارجة: «لكل واحد من اسمه نصيب»، وهو أمرٌ حقٌ عجيب!

وما من شك أن هذه السنةَ الكونيةَ إنما هي على سبيل الأعمِ الأغلبِ، وفي تقرير هذه الحقيقةِ يفصلُ الإمامُ ابنُ قيمِ الجوزية، فيقولُ في كتابه «زاد المعاد »:
«لما كانت الأسماءُ قوالبَ للمعاني، ودالةً عليها؛ اقتضت الحكمةُ أن يكون بينها وبينها ارتباطٌ وتناسبٌ… بل للأسماءِ تأثيرٌ في المسميات، وللمسميات تأثرٌ عن أسمائها في الحسن والقبح، والخفة والثقل، واللطافة والكثافة .. وكان ﷺ يَستحبُ الاسمَ الحسن… وكان يأخذ المعاني من أسمائها في المنام واليقظة، كما رأى أنه وأصحابَه في دار عقبةَ بنِ رافع، فأُتوا برطبٍ من رطبِ ابن طاب، فأوله ﷺ بأن لهم الرفعةَ في الدنيا، والعاقبةَ في الآخرة، وأن الدينَ الذي قد اختارَه اللهُ لهم قد أرطبَ وطاب، وتأوَّلَ ﷺ سهولةَ أمرِهِم يومَ الحديبية من مجيء سُهيلِ بن عمرو إليه…
وقد أَمَرَ النبيُّ ﷺ أمتَه بتحسين أسمائهم، وأخبرَ أنهم يُدْعَوْنَ يومَ القيامة بها، وفي هذا – والله أعلم – تنبيهٌ على تحسين الأفعالِ المناسبةِ لتحسين الأسماء؛ لتكونَ الدعوةُ على رءوس الأشهاد بالاسم الحسن والوصف المناسب له…
ولما قَدِمَ النبيُّ ﷺ المدينةَ واسمُها يثربُ لا تعرفُ بغير هذا الاسم، غيَّره بطَيْبَةَ، لمّا زالَ عنها ما في لفظ يثربَ من التثريبِ بما في معنى طيبةَ من الطيب – استحقت هذا الاسم وازدادت به طِيبًا آخر، فأثر طِيبها في استحقاق الاسم، وزادها طِيبًا إلى طِيبها…

وفي «تحفة المودود» يقررُ ابنُ القيم الحقيقةَ نفسَها، فيقول: «وإذا أردت أن تعرفَ تأثيرَ الأسماء في مسمياتها فتأمل حديثَ سعيدِ بن المسيب عن أبيه عن جده(حزن) قال: «أتيت إلى النبي ﷺ فقال: ما اسمك؟ قلت: حَزَن، فقال: أنت سهل، قال: لا أغيّر اسمًا سمانيه أبي.
قال ابن المسيب: فما زالت تلك الحزونة فينا بعد»
رواه البخاري في «صحيحه»، والحزونة: هي الغلظة، ومنه أرض حزنة وأرض سهلة…

وهذا الحسين لما نزل وأصحابه بكربلاء، سأل عن اسمها، فقيل: كربلاء، فقال: كربٌ وبلاء…!!

ومن اهتمامهِ ﷺ بالأسماء وأثرِها على الأشخاصِ تغييرُهُ لأسماءِ مَن حوله ومن يفدون إليه إلى أسماءَ حسنةِ المعنى غيرِ مكروهة أو فيها تزكية…
«ولما حاصر علي بن أبي طالب حصون خيبر اطّلع رجلٌ من اليهودِ إليه من على رأس الحصن، وقال له: من أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب، قال اليهودي: (علوتم) والذي أنزلَ التوراةَ على موسى.
اشتق علوَ المسلمين من اسم علي، وهكذا كان.. انتهى كلام ابن القيم رحمه الله

وفي عصرنا الحديث شاهدٌ جميل:فهذا «الشيخ زايد» رحمه الله ، كيف انعكسَ اسمهُ على مجمل حياته، وعلى ازدهار دولة الإمارات وتطورها إلى الأفضل في كل جانب!

إذن لكل واحدٍ من اسمهِ نصيبٌ بالفعل!،

وورود الأسماء في محتوى الأحلام له تأثير كبير في تفسيرها كما قررناه من قبل بحمد الله.