تأثير الكلمات

إن هذه الكلمات التي ننطقها بألسنتنا، ونكتبها بأقلامنا،

قدّر الله تعالى – بحكمته البالغة – أن يكون لها تأثيرٌ كبيرٌ في تغيير مجرى الحياة، وبناء المستقبل، وجلب السعادة أو الشقاوة، والصحة أو المرض، والثراء أو الفقر!

ولقد لاحظ العلماءُ أن ثمة علاقةً بين نوعية الكلمات التي يستخدمُها الشخصُ وبين النجاح الذي يمكنُ أن يحققَه في الحياة.
فالكلماتُ منحة أو محنة، نعمة أو نقمة، عطاء أو بلاء!
فكم أسعدت من أناس، وأشقت آخرين؟!
كم حققت من أحلام، ونسفت من آمال؟!
كم وضعت من عقبات، وأزالت من معوقات؟!
وكم أحضرت من نعم، ودفعت من نقم؟!
ومن أمثلة العرب: رب كلمةٍ سلبتْ نعمة، وجلبت نقمة؟!
ومن أمثلتهم: «رُب كلمةٍ تقول لصاحبها دعني».
ومن الأمثال الإنجليزية:(الزن على الآذان أمرُّ من السحر)،(مقتل الرجل بين فكيه).

فلله في مخلوقاته قوانين وسنن، لا تتبدل ولا تتحول، من هذه القوانين وتلك السنن:

أن الله سبحانه جعل للكلمات تأثيرًا فعالًا في الأشخاص والأحداث والأشياء إيجابًا وسلبًا، خيرًا وشرًا، نفعًا وضرًا، كلُّ ذلك بإذن الرب تعالى ومشيئتهِ، جميعُ ذلك مرتبطٌ بالقدرِ خيرهِ وشره، فلا يخرجُ شيء في كونه عن أمره، ولا يعزب عن علمه، يخلق ما يشاء، ويفعل ما يريد!

ولذلك حفلت نصوص الكتاب والسنة بأمر الناس بالقول الحسن والكلم الطيب، ونهيهم عن الكلمات الخبيثة والألفاظِ السيئة.
بل ثبتَ بالتجاربِ والبراهين أن الكلماتِ تؤثرُ بشكل كبير في الإنسان والحيوان والنبات والماء، ومن ثم فأنت تستطيع بالكلمات أن تستفيدَ مِن كلّ ما حولَك، وأن تجعلَه لصالحك وليس ضدك، وأن تجلب لنفسك بإذن الله السعادةَ وراحةَ البالِ والثراءَ والشفاءَ والصحة، غير أنه لابد أن تعتقدَ أن الكلماتِ لا تؤثرُ بذاتها، بل بتقديرِ الله سبحانه وإذنهِ ومشيئتهِ!

والأدلةُ الشرعيةُ على أن للكلمات قوةً وتأثيرًا من الكثرة والتنوع بمكان؛ فمنها:

1- حديثُ البخاري عن ابن عباس:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ عَلَيْكَ طَهُورٌ إن شَاءَ اللَّه،( لا بأس عليك أي: لا ترى مشقةً ولا تعباً ولا ألماً من هذا المرض ؛ وطَهُورٌ إن شَاءَ اللَّه يعني أن هذا المرضَ تطهرُ منه، ويعافيك الله منه ويطهرك من الذنوب) فقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: طَهُورٌ؟! كَلَّا، بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ كَيْمَا تُزِيرَهُ الْقُبُورَ!( يقولُ ليس الأمر كما قلت يا محمد، بل هي حمى تفور وتغلي في بدني كغلي القدور، وستجعلني من أهل القبور)، فبين له ﷺ بأن الأمر كما تقول، وسوف يحصل لك ما تكلمتَ به، فقَالَ ﷺ: فَنَعَمْ إِذًا» وقد أَخرجه الطبراني والدولابي،

وَفِي آخِرهِ: «أما إذا أبيتَ فهو كما تقولُ، وما قضى الله من أمرٍ فهو كائن. قال: فما أمسى الرجلُ من غدٍ إلا ميتًا» مات هذا الأعرابي لأنه لم يقبل بشارة النبي ﷺ وتفاؤله بشفائه من هذا المرض، وتكلم بكلماتٍ سلبيةٍ حكم بها على نفسه، وفي الحديث الضعيف البلاء موكول بالمنطق.

2- ومن البراهين المؤكدة أن للكلمات قوةً تأثيرية بإذن الله: ما ثبت في «صحيح مسلم» من نهي صاحب الشريعة ﷺ أن يعيبَ المسلمُ الناسَ ويذمهم ويتشاءمَ بمصيرهم، فعن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ»يعني أنه أشدُّهم هلاكًا، قال الخطابي: معناه: لا يزالُ الرجلُ يعيبُ الناسَ، ويذكرُ مساوئهم، ويقولُ: فسدَ الناس، وهلكوا، ونحوَ ذلك، فإذا فعلَ ذلك فهو أهلكُهُم؛ أي: أسوأ حالًا منهم…»يعني أن هذه الكلماتِ التي يعيبُهم بها ستجعلُهُ أسوأَ حالًا منهم!

3. وفي الحديث المتفق على صحته عن النبي ﷺ قَالَ: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِي» وذلك لما لهذه الكلمة خَبُثَتْ نَفْسِي من تأثير سلبي على النفس الإنسانية.

وفيما مضى من الأحاديثِ يتجلى بوضوحٍ تام أن الله سبحانه جعل للكلمات تأثيرًا فعالًا في حصول الأشياء، وتكوين الأحداث، وجلب المنافع، ودفع المضار، وأن جميعَ ذلك مرتبطٌ بقضاءِ اللهِ وقدرهِ، لا يخرجُ عنه أبداً!

ومما لا ريب يعتريه أن من عرف هذا القانونَ الخطيرَ عرفَ سرًّا عظيمًا من أسرار السعادة، واستطاع أن يختار لنفسه بنفسه ما ينفعُها ويُسعدها، وأن يُبعد عنها ما يُضرها ويُشقيها، ولا يظلمُ ربُّكَ أحدا .