شرح كتاب التعبير من صحيح البخاري

على بركة الله نبدأُ شرحَ كتاب التعبير من صحيح البخاري:
قال الإمام البخاري رحمه الله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب التعبير

بَاب أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة

ثم ذكر البخاري بسنده المتصل حديثَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ  ..  فذكر الحديثَ وفيه قصةُ بدء الوحي ونزولُ سورةِ اقرأ باسم ربك

لقد قسم البخاريُ صحيحَه إلى كتب، وقسم كلَ كتاب إلى أبواب كثيرة، فاشتمل الجامع الصحيح للإمام البخاري على (97) كتاباً و (3450) باباً مرتبة على الموضوعات الفقهية والعقدية وغيرها.

وكتابُ التعبير يأتي ترتيبه في صحيح البخاري بعد تسعين كتابا من كتب العلم، و يحتوي كتابُ التعبير على ثمانية وأربعين بابا،

بدأها بباب أول ما بدئ به رسول الله ص من الوحي الرؤيا الصادقة، وأنهاها بباب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح
فعلى ما يدل تضمينُ البخاري كتابَ التعبير في صحيحه؟

لا شك أنه يدل على أهمية الرؤيا ومنزلتها في الإسلام.

فالبخاري يدرك ذلك جيدا، وقد جمع في كتاب التعبير من صحيحه أصح ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في موضوع الرؤى والأحلام وعلم التعبير، كما أن هذا الصنيع من البخاري يدلُ على أن التعبير أو تفسير الأحلام علم من العلوم الشرعية له منهجيته وقواعده وأحكامه وآدابه.
وقولُ البخاري: (كِتابُ التَّعْبِيرِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان التَّعْبِير ،
والتعبير من العبر وهو التجاوز من حال إلى حال، فأما العبور فيختص بتجاوز الماء إما بسباحة أو في سفينة أو غيرها.
والتعبير مختص بتعبير الرؤيا، وهو العبر من ظاهرها إلى باطنها، نحو { إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } [يوسف: 43]

فقيل لعابر الرؤيا عابر، لأنه يتأمل ناحيتي الرؤيا أولَها وآخرها، ويتفكر في أطرافها، ويتدبر كل شيء منها، ويمضي بفكره فيها من أول ما رأى النائم إلى آخر ما رأى.

وَيُقَال: عَبَرُت الرُّؤْيَا بِالتَّخْفِيفِ إِذا فسرتها، وعبرتها بِالتَّشْدِيدِ لأجل الْمُبَالغَة فِي ذَلِك.

والتعبير اصطلاحًا: هو التفسير والإخبار بما يئول إليه أمرُ الرؤيا.

ويظنُ بعض الناس أن تعبير الرؤيا رجم بالغيب وأنه لا حقيقة له، وهذا خطأ، فمما لا شك فيه أن علم تعبير الرؤيا علمٌ صحيح دل على صحته كتابُ الله وسنةُ رسوله – صلى الله عليه وسلم – ، والواقعُ المحسوسُ يشهد بذلك.
فمن كتاب الله قوله عز وجل: { وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ } [يوسف: 6].
وقوله تعالى: { وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ } [يوسف: 27].

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره

إن علم التعبير من العلوم المهمة التي يعطيها الله من يشاء من عباده، وهو من العلوم الشرعية، ويُثاب الإنسان على تعلمه وتعليمه، وتعبير الرؤيا داخلٌ في الفتوى، لقوله للفتيين { قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ } [يوسف: 41] وقال الملك: { أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ } [يوسف: 43] وقال الفتى ليوسف: { أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ } [يوسف: 46] فلا يجوز الإقدام على تعبير الرؤيا من غير علم.