تأثير الكلمات في المنامات

سبق أن أوضحنا أن الله تعالى قدّر – بحكمته البالغة – أن يكون للكلمات تأثيرٌ كبيرٌ في تغييرِ مجرى الحياة، وبناء المستقبل، وجلب السعادة أو الشقاوة، والصحة أو المرض، والثراء أو الفقر!

وأن هنالك علاقةً بين نوعيةِ الكلمات التي يستخدمُها الشخصُ وبين النجاحِ الذي يمكنُ أن يحققَه في الحياة،

وكلُّ ذلك بإذن الرب تعالى ومشيئتهِ، ومرتبطٌ بالقدرِ خيرهِ وشره.

ولا يقتصرُ تأثيرُ الكلماتِ حالَ اليقظة فحسب،

وإنما يتعداه إلى التأثيرِ حالَ المنام والرؤى والأحلام، فما يقولُهُ الحالمون في رؤاهم من كلماتٍ، يحمل دِلالات من الأهمية بمكان في إيجاد التعبير المناسب، وترجيح معنى على آخر من المعاني المتعددة للرؤيا الواحدة،!

بل إن الأسماءَ التي تظهرُ في المنام  لها تأثير في تفسير الأحلام، وفي الواقع بعد ذلك، فمن رأى رجلًا يسمى راشدًا يعبر بالرشد، وإن كان يسمى سالمًا يعبر بالسلامة، وسعيدًا بالسعادة، وزايدًا بالزيادة،

ويدل على ذلكم ما أخرجه مسلمٌ من حديث أنس، عن النبي ﷺ قال: «رَأَيْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ – فِيمَا يَرَى النَّائِمُ – كَأَنَّا فِي دَارِ عُقْبَةَ بْنِ رَافِعٍ، فَأُتِينَا بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابْنِ طَابٍ، فَأَوَّلْتُ الرِّفْعَةَ لَنَا فِي الدُّنْيَا، وَالْعَاقِبَةَ فِي الآخِرَةِ، وَأَنَّ دِينَنَا قَدْ طَابَ»

وقد أجادَ الشهابُ العابرُ في بيان تعبير الأحلام بدلالة الكلمات واشتقاق اللغة في كتابه الفذ الفريد: البدر المنير في علم التعبير، فلعل طلابَ العلمِ يرجعون إليه في معرفة أصول علم التعبير وقواعده.

ومما يبرهنُ أن للكلمات قوةً تأثيريةً لا تدركُها عقولُنا:

أن ما يقولُهُ المعبرُون في تفسير الرؤيا له تأثيرٌ كبير في واقع الشخصِ الحالم، حتى إن وقوعَ الرؤيا يكونُ على حسْبِ ما فُسرت عليه، فإن الأحلام والمنامات تقع غالباً مطابقةً لمدلول الكلمات التي أُولت بها، وعُبرت عليها، وذلك إذا فُسرت تفسيرا صحيحا يوافقُ أصولَ علمِ التعبيرِ وقواعدَه، دل على ذلك النصوصُ الشرعية، وتجاربُ المعبرين، وواقعُ الحالمين!

وقد أخرج الحاكمُ من حديث أنس قال: قال رسول الله ﷺ: «إنَّ الرؤيَا تَقَع عَلَى مَا تعبر، وَمَثْلُ ذَلِكَ مَثْلُ رَجل رَفَع رجله فَهو يَنْتَظِر مَتَى يَضعُها، فَإِذَا رَأَى أَحَدكُم رُؤيَا فَلاَ يُحَدِّث بِهَا إلا ناصحًا أو عالمًا».

كما أخرج أبو داود والترمذي وابنُ ماجه، عن أبي رزين العقيلي، عن النبي ﷺ قال: «الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ، مَا لَمْ تُعَبَّرْ، فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ». والمراد: أن الرؤيا كأنَّها على رجل طائر، تقعُ كما عُبرت، كما يقعُ الذي يكونُ على رِجل الطائر بأدنى حركة.

ومن لطيف ما ورد في ذلك: ما رواه الدارمي بسند حسنه ابن حجرٍ عن عائشةَ زوجِ النبي ﷺ قالت: كانت امرأةٌ من أهل المدينة لها زوج تاجرٌ يختلف، فكانت ترى رؤيا كلما غابَ زوجُها، وقَلَّمَا يغيبُ إلا تركها حاملًا، فتأتي رسولَ الله ﷺ فتقول: إن زوجي خرج تاجرًا فتركني حاملًا، فرأيت فيما يرى النائم أن سارية بيتي انكسرت (هذا هو الرمز الأول في هذه الرؤيا) وأني ولدتُ غلامًا أعور (هذا هو الرمز الثاني في هذه الرؤيا)، فقال رسول الله ﷺ: «خَيْرٌ، يَرْجِعُ زَوْجُكِ عَلَيْكِ – إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى – صَالِحًا ( وهو ما يرمز له سارية البيت التي انكسرت)، وَتَلِدِينَ غُلامًا بَرًّا» ( وهو ما يرمز له الرمز الثاني في الرؤيا الغلام الأعور) …. فجاءت يومًا كما كانت تأتيه ورسول الله ﷺ غائب، وقد رأت تلك الرؤيا، فقلت لها: عَمَّ تسألين رسولَ الله ﷺ يا أمةَ الله؟
فقالت: رؤيا كنتُ أراها، فآتي رسول الله ﷺ، فأسأله عنها، فيقول خيرًا، فيكونُ كما قال، فقلت: فأخبريني ما هي؟ قالت: حتى يأتي رسول الله ﷺ فأعرضَها عليه كما كنت أعرض، فوالله ما تركتُها حتى أخبرتني، فقلت: والله لئن صدقت رؤياك ليموتن زوجك(تعبير الرمز الأول انكسار سارية البيت) وتلدين غلامًا فاجرًا (تعبير الرمز الثاني الغلام الأعور)، فقعدت تبكي، فجاء النبي ﷺ فقال لها: «مَا لَهَا يَا عَائِشَةُ؟»، فأخبرته الخبر، وما تأولت لها، فقال رسول الله ﷺ: «مَهْ يَا عَائِشَةُ، إِذَا عَبَرْتُمْ لِلْمُسْلِمِ الرُّؤْيَا فَاعْبُرُوهَا عَلَى الْخَيْرِ؛ فَإِنَّ الرُّؤْيَا تَكُونُ عَلَى مَا يَعْبُرُهَا صَاحِبُهَا»، فَمَاتَ – وَاللَّهِ – زَوْجُهَا، وَلا أُرَاهَا إِلاَّ وَلَدَتْ غُلامًا فَاجِرًا.

وقد أخرج سعيد بن منصور عن عطاء قال: «كان يقال: الرؤيا على ما أُولت».

هذه النصوصُ صريحةٌ بأن الرؤيا تقعُ على مثلِ ما تُفسرُ به من كلمات،

وهو أمرٌ يدل على أن للكلمات قوةً تأثيرية لا نعلم حقيقتها، ولا نعرفُ كيف يكون ذلك، ويمكن أن يقالَ: إن الله إذا قدر أن تقع الرؤيا فإنه سبحانه يُقدرُ للعابر أن يفسرها على وفق ما سوف تقع، فإذا عبرها وقعت على حسب تعبيره، ومما لا شك فيه أن ذلك مقيدٌ بما إذا كان التعبير مما تحتملهُ الرؤيا ولو على وجه، وليس خطأ محضًا من كل وجه، وقد أشار إلى هذا المعنى الإمامُ البخاري عندما قال: «باب من لَمْ ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب».

قال أبو عبيدة وغيره: معنى قوله: «الرؤيا لأول عابر» إذا كان العابر الأول عالمًا فعبر فأصاب وجه التعبير، وإلا فهي لمن أصاب بعده؛ إذ ليس المدارُ إلا على إصابة الصواب في تعبير المنام ».